صباحكم قرقيعان

Loading

ليلة البارحة عاش أطفال الخليج فرحة القرقيعان، والتي يعدّها الصغار واحدة من أجمل لياليهم الاحتفالية، ولا بد من أن كلاً منا أخذته الذاكرة سريعاً إلى أجوائه الاحتفالية، حينما كان طفلاً يتحين انتهاء الكبار من إفطارهم لينطلق عبر شوارع الحي يردد الأهازيج الجميلة التي نحفظها جميعاً عن ظهر قلب. كم كان تقليداً جميلاً بريئاً خاصاً بالأطفال الذين من أجلهم يفرح الكبار ويعدون لهم ليلة قرقيعان لا تنسى تتجلى في شراء المكسرات والحلويات ودس بعض النقود المعدنية بينها، لتكن مفاجأة جميلة للصغير حينما يقوم بفرز قرقيعانه إلى حلويات.. مكسرات.. ونقود. وفي خياطة الأم (الخريطة) الكيس القماشي الذي يحمله الصغار من أجل جمع القرقيعان من الثياب العتيقة.. ومحظوظ من كانت أمه ماهرة في ذلك، لأنه سيسجل في ذاكرته مشهدها، وهي تخيط الخريطة بحب وترقب فرحته بها بعيون تملؤها أمومة لامعة. ومع الأيام صارت يد التطوير تطال هذا التقليد الجميل وتغيّره بدءاً بالأهزوجة التي تعتبر هي والعايدوة الخاصة بالعيد كالنشيد الوطني، نستنكر أي تجديد يدخله المبدعون عليها.. مروراً بالأزياء وانتهاء بتحولها إلى طقس اجتماعي له صبغة لا تمت للتقليد الجميل بصلة، فقط الأهزوجة تتردد في خلفية المشهد، إلا أنه يبقى خالياً من روح القرقيعان!!! ربما لأننا نريد الاحتفاظ بعبق الماضي الجميل لذلك، نستنكر التغيير الذي حوّل القرقيعان إلى مناسبة اجتماعية تقام من أجلها الولائم والدعوات وتخاط له الأزياء الرفيعة وتحضّر الهدايا والتذكارات الغالية التي جعلت من التجار طرفاً جديداً في المعادلة، وأي طرف!! والغريب أن الشركات والمؤسسات أيضاً مدّت يداً طولى حولت القرقيعان إلى مناسبة تحشد لها العلاقات العامة الميزانيات لشراء التذكارات الفاخرة لإهدائها إلى آخرين ربما لا يعرفون عن القرقيعان أي شيء فيضحكون على الجهل والإسراف! المباهاة والرياء.. الجهل والإسراف.. وجشع التجار جردوا القرقيعان من قيمته كتقليد رائع لا ينسى مهما بلغت من العمر عتياً.. وهو شيء مؤسف ولا شك. إلا أن المؤسف أكثر هو انتشار برودكاست قبل ليلة القرقيعان يحذر من الاحتفال بالقرقيعان، لأنها مناسبة خاصة بطائفة ما ومذهب ديني يحتفل بميلاد أحد رموزه! وإلى هؤلاء أقول اتقوا الله في أنفسكم، فالقرقيعان جاء من زمن نقي لم يكن للنزعة الطائفية صوت فيه، بل كان مجتمعاً مترابطاً متحاباً متحداً وما زال بإذنه تعالى، لذلك احذروا من إيقاظ الفتنة النائمة. واحتكموا إلى الله فيما تنشرونه بين خلقه فإن كان خيراً أو فاصمتوا.. اصمتوا.. إضاءة.. لا تكدروا فرحة الصغار بترويج ضغائن الكبار.. احرصوا على أن تكونوا رسل محبة وسلام لا دعاة تفرقة وآلام.. وقرقيعانكم مبارك.