اليوم تمر الذكرى العشرون لرحيل والدي.. غفر الله له وأدخله فسيح جناته وجزاه عنّا خير الدنيا والآخرة. في الخامس من رمضان تأخذني الذكرى إلى يوم الرحيل المر الذي كان صادماً إلى درجة أنني لم أستطع حتى البكاء.. حتى الرثاء!! إنه الفجأة بل قل الفجعة التي تأسر مشاعرك فتفقد السيطرة عليها للحظات قبل أن تعود إلى رشدك، لتهمس مؤمناً بقضاء الله وقدره: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. طامعاً في أن تتنزل على قلبك أمطار الصبر والسلوان من لدن حكيم عليم.. بعدما تحجرت في مآقيك الدموع.. راجياً أن تتنزل على فقيدك شآبيب الرحمة من لدن غفور رحيم.. بعدما أودعته قبراً مظلماً. واليوم.. ألتفت إلى الوراء فأرى أطفالاً غادرهم والدهم دون وداع.. وأجدني بينهم لا أستطيع حتى شرح الموقف لهم، فأكتفي باحتضانهم والأخذ بيدهم إلى المستقبل. اليوم.. أنظر إلى الحاضر الذي كان بالأمس مستقبلاً لأجد الصغير يتزوج، فأبتسم لأننا عبرنا سوية إلى بر الآمان ترعانا عناية رب رحيم لا ينسى عباده. أبتسم لأنني أدركت أن ما يختاره الله لعبده هو الخير دائماً وهو الأفضل دائماً، فأطمئن على والدي بين يديه تبارك وتعالى.. لكنه الحنين.. هو وحده ما يكدر تلك الابتسامة. الحنين لرجل كان والداً وأخاً وصديقاً.. كان سنداً سابقاً لعصره والآوان، فخلق مني اسماً وأعدّني إعداداً جيداً لمواجهة الحياة دون أن يدري أن الحياة ستختبر ذلك الإعداد باكراً.. فبارك الله في يد ربّت وأعدّت، ساعدتني على تجاوز محيط من الخبرات بأقل الخسائر التي تكاد لا تذكر أمام فرحة الصغير بزواجه. يا والدي.. في كل مقام أذكرك فيه أسأل الله عز وجل أن يكرم مثواك ويجمعنا بك في مستقر رحمته وجنة رضوانه.. في كل مكان أذكرك فيه أشكرك بعمق على ما أنا فيه من خير وفضل كبير.. في كل زمان أذكرك فيه أتمنى عودتك لأدفأ بدثار أبوتك وتهنأ ببر بنوتي. ليت الذين يعيشون في كنف والدهم يدركون قيمة وجوده -مهما كان- فيشبعونه حباً وبراً. إنه الوالد.. أوسط أبواب الجنة.. وسبب الوجود.. العضيد والسند و»فنر البيت». الإنسان الذي لا يسد مسدّه أحد ولا يعوض فقده أحد. ذلك الفقد الذي يخلّف خواء عاصفاً.. ما إن يهدأ ويستكين حتى يثور الحنين باعثاً في الروح كل الذكريات بحلوها ومرها، لتصعد إلى السماء بحثاً عن تلك الروح الغالية، فلا تستطيع لقاءها لترجع إليك خاسئة وهي حسيرة.. وتكتفي بالدعاء لعله أن يصل ويطمئن الراحلين عنّا أننا بخير ولا ينقصنا سوى رؤياهم. إضاءة: الوالدان… لن أسهب في ذكر فضلهما.. ولكن يكفي أن أذكّر بأنك إذا أردت الجنة: فالزم قدميهما.