خلق الله الإنسان وسخر له الأرض وما عليها، وأرسل له الرسل لتبين له حقوقه وواجباته، موضحين له أنه ما خلق إلا ليعبد الله.. عبادة تامة.. شاملة.. صحيحة. إلا أن المفهوم القاصر عن البعض اقتصر عبادة الله -عزّ وجل- على الفروض والعبادات، بل قصرها على الأماكن أيضاً، فصار المسجد هو مكان العبادة، وخارجه يبدو المرء أنه لا دين له، وإنما احتكامه لعاداته وتقاليده!! أذكر في سنواتنا الدراسية الأولى تعلمنا أن الإسلام هو الاستسلام لله والانقياد له بالطاعة.. وأجده تعريفاً جامعاً لما يجب أن يكون عليه المسلم. إذا أردت أن تشعر بالسعادة الحقيقية والراحة التامة فعليك بالاستسلام لله والتوكل عليه في جميع أمرك، ليكن هو سبحانه وتعالى قبلتك في هذه الحياة تحبه، تعبده، تستعين به، تتوكل عليه، فلا حول ولا قوة إلا به. فعن تجربة خاصة -أدحرجها عبر هذا المقال- أستطيع التأكيد أنك لن تصل إلى الله -عز وجل- عبر الديانة الموروثة، فالمسلم بالولادة لن يصل إلى الله إذا ركن إلى ميراثه، بل يجب عليه السعي للتعرف على الخالق والتقرب منه بصورة شخصية ليعبده حق عبادته ويتوكل عليه حق التوكل، والأهم من كل ذلك الأنس بقرب الله عزّ وجل. خلال هذه الرحلة المباركة سيجد أن الله -جلّ وعلا علواً كبيراً- سينير أمامه الطريق أكثر كلما تقدم خطوات أكبر.. وسيفتح عليه أفق المعارف ويفقهه في دينه ويروي عطشه للمعرفة الحقّة. لذا لا تركن -عزيزي القارئ- لواقع أنك مسلم، فإنه لا يكفي لتذهب إلى الله بقلب سليم! عليك أن تتصل بالخالق اتصالاً حقيقياً لتجوّد عباداتك وتنقي معاملاتك، فهذا هو معنى القلب السليم. إن من يحيا على بركة أنه مسلم بالوراثة، أو بتأكيد الأوراق الرسميّة، دون أن يعمل باجتهاد على تنقية ذلك الدين الموروث مما خالطه من شوائب، لن يحصد سوى النزر القليل من خير الدنيا والآخرة، بل إنه قد يحصد الحصرم حين لا ينفع مال ولا بنون! إنني حينما أنظر في حال المسلمين الجدد وأقرأ قصص إسلامهم أغبطهم على رحلة النور التي ساروا على دربها حتى وصلوا لله بأنفسهم فأسلموا وحسن إسلامهم، نسأل الله لنا ولهم الثبات على دين الحق حتى نلقى وجهه الكريم راضياً عنّا. إنها دعوة من قلب محب لنراجع إيماننا ونتيقن أنه لم يخالطه شرك، ونراجع إسلامنا لنتأكد أنه استسلام مطلق لله -عزّ وجل- ونراجع معاملاتنا لنثق بأنها لن تكون عوائق وصعوبات على قناطر الصراط المستقيم، هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه. إضاءة: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه -عز وجل-، قال: «إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة». رواه البخاري. ذلك هو وعد الله -عز وجل- لعبيده فلا تفوتوا هذه الفرصة الذهبية عليكم.