كشخة على بايق

Loading

قديماً قال الفلاسفة والحكماء: تكلم حتى أراك.. فمنطق الأنسان وتفكيره.. رقي حواره وقوة حجته هي جواز مروره إلى عقول وقلوب الناس لتحتفظ به كشخص موثوق به ولا يمكن الاستغناء عنه.. ففي وجوده غنى وحكمة.. أما اليوم -للأسف الشديد- فصار الحكم على الأنسان وتقييمه من خلال مظهره وفيما يلبسه.. وليت الأمر توقف عند الحد بل تجاوزه إلى ضرورة أن يلبس غالياً، والأفضل أن يكون ماركة عالمية وإلا.. «لن يقيموك من أرضك» على رأي الإخوة السوريين فرج الله همهم.. بمعنى أنهم لن يعيروك اهتمامهم وسيحكمون عليك بالتخلف عن ركب حضارتهم الزائفة! لأن مقياسك كإنسان أصبح مظهرك لا جوهرك.. وهذا الأمر أدى لانتشار (الكاشخين) الذين يرتدون الماركات العالمية والثياب الفاخرة والعباءات المزركشة، وهم من ينطبق عليهم هذا الوصف تماماً: يفاجئك بسحره لوهلة،، وإذا نطق تبدد الأثر.. فما إن يفتح فاه ليتكلم إلا وقلت في نفسك: ليته سكت! إلا من رحم الله، وهم فئة نادرة. ولأن تكلفة هذا المظهر عالية جداً فهي (كشخة على بايق!) لأن أهل الكشخة ينفقون عليها أضعاف ما ينفقونه في زكواتهم وصدقاتهم -إن وجدت- أو إنفاقهم ما يستحق الأنفاق الفعلي؟! وليت الأثر السيئ وقف عند هذا الحد، بل تجاوزه إلى محاولة متوسطي الدخل ومحدوديه التمثل بغيرهم، فزادت الديون وظهرت الماركات المقلدة التي لا تحترم حقوقاً فكرية، ولا ترحم متوسط الحال يتحاشى النظر إليه شزراً لتخلفه عن الحضارة الزائفة التي تقوم على أكتاف المصممين العالميين! كما ظهر الأسراف في أبشع صوره.. الأمر الذي يدفعني للتساؤل هل يستحق صاحب هذه الماركة أو تلك أن نتحول لواجهة عرض متحركة لمنتجاته؟! ليت قومي يحرصون على إثراء جوهرهم بقدر حرصهم على إثراء مظهرهم لتحولت قطر إلى جنة عدن.. فمن المؤسف تحوّل المجتمع إلى عشق المظاهر والمباهاة، وهو سلوك أدى إلى ظهور الكثير من السلبيات على السطح، وأخشى أنه سيأخذنا إلى متاهات فكرية وعقدية نحن بغنى عنها.. فمن جعل همّه مظهره ضاعت بوصلته إلى جوهره… انتبه عزيزي القارئ.. عزيزتي القارئة. فلا تجعل حذاءك ذا الماركة المشهورة أثمن ما فيك…

إضاءة: لو أشغلنا عقولنا وقلوبنا بالغاية الحقيقية لوجودنا في هذه الدنيا لم نجد متسعاً لهذه الترهات.