عنوان جذاب وسحري فليس أغلى على الإنسان من شيء أكثر من حريته وقدرته على اتخاذ قراره بحرية مطلقة.. أقول هذا وأنا أعلم بأن كثيرين حول العالم ممن يشاركونني هذا الشعور.
ولكن قبل أن أشرع في توصيف مشاعري لا يفوتني أن أشكر وطني الذي لم يدخر وسعا في مواجهة هذه الأزمة العالمية بهمة واقتدار، راجية الله عز وجل أن يعجل بكشف الوباء ورفعه عنا، لنعود إلى سيرتنا الأولى آمنين مطمئنين رغم أنني على ثقة بأن الحياة لن تعود كما كانت وسيبقى في النفوس الكثير مما سيغير الناس وطبائعهم وشكل حياتهم إلى الأبد، خاصة أولئك الذين فقدوا أحبتهم فقدا موجعا تحت الأرض أو فوق الأرض.
إلا أن الوباء حكاية والتطعيم ضده حكاية أخرى، فبعد سنة من الأخبار والدراسات والتأويلات وهي ليست فترة سهلة لتتغير فيها المعتقدات وتتشكل العادات؛ لذلك انقسم الناس على أنفسهم ما بين مصدق للحكاية ومكذب لها، ولكل فريق مشاهد كثيرة لا تنسى تؤيده فيما ذهب إليه.
هذه المعتقدات والعادات ساهمت في صنع قرار حر يشجع على التطعيم أو لا.. لذلك جاء اختيارياً وليس إلزامياً، مما زاد حيرة المترددين والمشككين حيال الموضوع برمته.
فالاختيارية المقترحة هي إلزامية مقنّعة؛ نظراً لأن الذي سيختار عدم التطعيم سيحرم من حقوق كثيرة وسيتم تمييزه عن غيره ممن حصل على صك يمنحه تلك الحقوق بمجرد التطعيم. فأين الاختيارية إذا كنت سأعاقب على اختياري؟
كنت أتوقع من الصحة والإعلام التضافر لإطلاق حملة موسعة لتهيئة الناس توضح من خلالها كل الأمور ليستطيع الإنسان اتخاذ قراره على بينة وثقة.
فالرافضون كثر.. والحائرون كثر.. والمترددون كذلك..
وكسبهم في صف الجازمين بالتطعيم يجب أن يكون بالإقناع من خلال حملة إعلامية منظمة أعدت بشكل موثوق لتقدمها شخصيات عامة ذات ثقل ديني واجتماعي تتصف بالثقة والرزانة لتقلص مساحة الحيرة والتردد.
فالبعض مسؤول عن والديه وليس على الأرض أغلى منهما.. فكيف يمكنه اتخاذ قرار تطعيمهما في ظل هذه الضبابية والآثار الجانبية؟ نحن لسنا في مباراة بين فريقين من مع ومن ضد.. نحن نواجه أزمة مصيرية تتمثل في اختبار صحي لم يسبق له مثيل لذلك كانت التهيئة بالتوعية مهمة وحاسمة.
أما اختيار الحل السهل بطرح التطعيم إلزاميا إلا قليلا فلا يليق بالجهود الحثيثة والمشكورة، التي بذلت خلال العام المنصرم.. والله وحده يعلم إلى متى ستستمر هذه الجائحة.
فقد حذر بيل غيتيس منذ أيام قليلة في حواره مع قناة “CNN”، من إمكانية أن تصبح الأشهر الأربعة إلى الستة المقبلة الأسوأ منذ بداية الوباء. ولا ندري إذا كان بيل يتحدث عن بلده التي تواجه أسوأ رئيس منذ اتحدت، أم أن تحذيره للعالم بوصفه رئيس “مؤسسته”، المرتبطة بمساعي ابتكار اللقاح فايزر المضاد لكورونا..
الله وحده يعلم ما تخفيه الأكمة، فنسأله سبحانه وتعالى أن يعجل بكشف هذه الغمة، ويعيننا على اختيار قرار غير مفجع.. طعمنا أم لم نطعم.
دمتم سالمين…