قهر النفوس

Loading

كلما قابلت أحداً يعمل في المدارس المستقلة وجدته مقهوراً مضغوطاً محبطاً يبحث عن فرصة للخروج من هذا المأزق.. فيتبادر إلى ذهني دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم من وُلي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به، ومن وُلي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه}. خاصة حينما وردني اتصال من مدرسة قديرة أقل ما يوصف به أنه قاس، ويعكس بصدق استخفاف المجلس الأعلى للتعليم بالعاملين في المدارس المستقلة (مديرين ومديرات مدرسين ومدرسات) والله المستعان على ما يصفون. فكما يعلم الجميع أنه في سبتمبر 2011 صدر عن الموارد البشرية بالمجلس الأعلى للتعليم لائحة بالرواتب والدرجات للعاملين القطريين في المدارس المستقلة، أعلن عنها في كل وسائل الأعلام وسط ابتهاج الجميع. ومنهم أصحاب التراخيص الذين ظنّوا أنهم أخيراً قد حصلوا على حقوقهم التي نافحوا عنها سنين طولية. وكنت بنفسي عضوة في لجنة حاولت أن تقنن أوضاع أصحاب التراخيص الذين عملوا سنوات دون هيكلة تحمي حقوقهم كمواطنين قطريين ذوي خبرات ذهبية في هذا المجال، فتقاضوا مكافأة ثابتة لم تزد ريالاً واحداً حتى صدرت هذه اللائحة العام الماضي!! ولا أشك أن المجتمع كله شارك العاملين بالمدارس -خاصة أصحاب التراخيص- فرحتهم بحصولهم على حقوقهم، وكيف لا و قد أفنوا زهرة شبابهم في التعليم بنظاميه القديم والجديد. كيف لا وهم من يعلمون أبناءنا ويبذلون الجهود المضنية للنجاح في ذلك تحت ضغط إدارة تنتهج الارتجالية والغموض وانعدام الشفافية؟! فما أخبرتني به المدرسة القديرة -التي يحق لها التقاعد- أنها حينما همّت بإجراءاته اكتشفت أن الرواتب العالية التي أغدقها ولي الأمر عليهم عسل دس فيه المجلس الأعلى للتعليم سماً، حيث أخفى عن العاملين بالمدارس (المستغلة) جزء خطيراً من القانون هو الجزء الخاص بتقاعدهم!! فتلك اللائحة أقرّت احتساب الراتب التقاعدي على أساس متوسط رواتب آخر خمس سنوات، لأنهم يعملون في مؤسسات تعليمية بناء على تعديل قانون المدارس المستقلة الصادر في 2010 وبهذا ذهبت الفرحة أدراج الرياح وقضي على مستقبل آمن يستحقونه لولا عبث العابثين. علما بأن هذا القانون يطبق فقط على العاملين داخل المدارس ولا يطول المجلس الأعلى وهيئاته. فهل هذا قرار عادل ومنصف للمديرين والمدرسين الذين صدّقوا كذبة التغيير إلى الأفضل، والتحقوا بالعمل في المدارس ليقعوا في المصيدة؟! بينما حصل زملاؤهم الذين ما انطلت عليهم تلك الكذبة على تقاعد مناسب لسنوات خدمتهم؟! العجيب في الأمر أن المجلس الذي تفنن في اجتراح الأسباب لعقد اجتماعات لم يكلف نفسه إخطار هؤلاء العاملين بالجديد في نظام القهر. فلماذا يا ترى أخفى المجلس الأعلى للتعليم هذا القرار عنهم؟! لماذا لم يدعُهم إلى اجتماع يشرح لهم القانون ويوضح ما لهم وما عليهم؟ أم إن اجتماعاتهم فقط لأملاء القرارات والتلويح بعصا سحب الترخيص والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمـور؟! لماذا ترك هذا الجزء كمفاجأة غير سارة يكتشفها من وصل إلى التقاعد؟ هل تم ذلك للنجاة من رد فعل جماعي وساخط أم لكسب الوقت حتى يستقر القانون ويصبح أمراً واقعاً لا فرار منه؟! هل هذا جزاء من أقدم على العمل في النظام الجديد الذي ولد واعداً وصار هزيلاً مترنحاً ينتظر خطوة إصلاحيّة واسعة المدى تقتلع جماعة وليت أمر التعليم فشقت على العاملين فيه؟! هذه الجماعة التي عملت منذ تولت الأمر على محاربة الكفاءات حتى انتهت تلك الحرب بالقضاء على حقوقهم في تقاعد مريح بعد سنوات شاقة أمضوها تحت مظلة مجلس لم يراع فيهم إلاً ولا ذمة!! أختي التربوية الفاضلة: اطمئني فالله عز وجل فوق الجميع، وما ضاع حق وراءه مطالب.. أوصيك وغيرك من العاملين بالمدارس أن تطالبوا بحقوقكم ولا تخشوا ظلماً، فأنتم تعيشون في حمى (بومشعل) الذي أعلى قيمة الأنسان القطري.. ولم يقصر في دعمه وتشجيعه فامضوا إلى حيث العدل وانتصروا له.