ذكرى خالدة

Loading

بداية.. كل عام وأنتم إلى الله أحب وأقرب بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك أما بعد.. فمن يعرفني جيداً يعرف عني عشقي الكبير للصور، وقراءة ما خبأته بين تفاصيلها من حكايات وأسرار.. وفي ذلك استوقفتني مؤخراً صورة غابة الصنوبر التي زرعها إنجليزي على شكل قلب، تخليداً لزوجته الراحلة في لمسة راقية تعبر عن حجم الفقد الذي خلّفه رحيلها… الجميل في الأمر أنه أبقى الأمر سراً، حتى اكتشفه بالصدفة البحتة سائح عبر سماء تلك الغابة بمنطاد!! جميل أنه أخفى ذلك العمل، لأنه أراده سراً بينه وبين الراحلة.. ولكن الأجمل لو أن الراحلة عرفت بذلك ووصلها هذا الدفق العاطفي المؤثر.. أكتب ذلك وأنا أحمد الله عزّ وجل كثيراً على نعمة الأسلام، هذا الدين القيّم الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في أمور حياتنا إلا وشرحها ووضح معناها، ودلّنا على سبل تطبيقها، وأمتعنا بنتائجها، ومن ذلك علاقتنا بالأحبة الراحلين.. فتلك الوشائج التي تزيد قوة في مواجهة الموت والنسيان لا تنقطع، بل تبقى خالدة في نفوس الأحياء، ويصل أثرها إلى الأموات بفضل الله وقدرته. إن المسلم إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: علم نافع وعمل صالح وولد يدعو له.. فمن أراد لفقيده الحبيب خلوداً عليه بهذه السبل التي أكدّ ديننا الحنيف في أكثر من موقع أنها تصل لعالم الأرواح، التي تفرح بها وتسعد. ما أعظم هذا الدين الذي يستجيب لمشاعرنا ويخفف من وطأة رحيل أحبابنا. وفي هذا الأمر لم أجد خلوداً يضاهي الوقف، فأنت حينما تخصص وقفاً لفقيدك فإنك تهديه هدية لا متناهية تبقى دهراً، وإن مات مهديها.. الذي سيسخر له الله عزّ وجل من يبره بعد موته، وربما بالطريقة ذاتها. إن الوقف نهر متدفق من العطاء لا ينضب، يرسل حسناته للفقيد تترا.. فإذا تقبّله الله عزّ وجل وأوصل أجره لفقيدك فرحت أنت، واستبشرت روحه بدفق العطاء الذي اجتاز برزخاً، ووصل بأمر الله لمحبوبك.. فهل من لمسة تواصل أروع من هذه؟! حتى تستشعر ذلك حقاً بادر بوقف -مهما كان بسيطاً- لفقيد آلمك رحيله، وهبه خالصاً لوجه الله عزّ وجل في سرية تامة، راجياً أن يصل أجره للفقيد. حينها ستشعر بشعور طاغ من الفرح والارتياح.. ولا تستبعد رضا إلهياً فترى فقيدك في أحلامك وهو فرح بما وهبت، أفلا يستحق أمراً كهذا التجربة؟! هل بدأت عزيزي القارئ بزراعة غابة الصنوبر خاصتك فورا..؟! ذلك ما أرجوه… كما أرجو قراءة نتيجة عملك الراقي والمعبر هذا.. ختاماً.. المقال مهدى إلى روح والدي الذي تمرّ ذكراه الخالدة هذه الأيام.. غفر الله له وجمعنا وإياه تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.. آمين.