من هواياتي متابعة البرامج الوثائقيّة التي تحكي قصص البقاء على قيد الحياة والنجاة من الموت المحدق بالإنسان.. والتي يصفها الناجون بأنها معجزات تتجلى فيها قدرة الخالق عزّ وجل الذي يخرج الحي من الميت والميت من الحي. ومن ضمن تلك البرامج برنامج «معجزة» الذي تعرضه قناة «ناشيونال جيوجرافيك» مساء كل ثلاثاء. فقد تأثرت جداً بإحدى الحلقات التي حكت قصة بقاء أميركي تائهاً في الصحراء الأسترالية 42 يوماً بلا ماء ولا غذاء ونجاته من الموت المحقق، بعدما تخيلت عائلته أنه قضى نحبه وصارت تبحث عن جثمانه.. حينها تذكرت شاباً من ذوي القربى مات -غفر الله له- تائهاً في رمال سيلين خلال يومين فقط! تأثرت جداً للبون الشاسع بيننا وبينهم، وتساءلت كيف يمتلك هؤلاء خبرات البقاء على قيد الحياة ويقاومون الموت حتى تكتب لهم النجاة، بينما يموت العرب والمسلمون في ظروف أقل ضراوة وقسوة. مع تسليمي التام بأن الموت قضاء إذا قُدر على مخلوق لا يستقدم ساعة ولا يستأخر إلا أن هناك سراً يملكه هؤلاء، ويمكننا بسهولة اكتشافه والتعلم منه مهارات البقاء على قيد الحياة في أعتى الظروف.. أعتقد جازمة أن سرهم يكمن في نوعية التعليم الذي يقدمونه لطلابهم، فكل الدول المتقدمة تضمّن مناهجها أنشطة لا صفيّة، كالتخييم والعيش في الطبيعة ومعها لفترات كافية ومواد مساعدة تعلمهم كيف يعيشون الحياة ويتحدون مصاعبها لينجزوا ويحققوا نجاحات مشهودة، ولا تعدهم لسوق العمل فقط فتشنقهم بمقصلة اختبارات اللغات الأجنبية.. وبالمناسبة فأنا ما زلت أضحك على نكتة تدريس اللغة اليابانية وتوقيتها العجيب.. ففي الوقت الذي تتقهقر مبادرة التعليم وتعود إلى نقطة الصفر بتعريب العلوم والرياضيات بعد خمس سنوات على الأقل من تدريسها باللغة الإنجليزية، وتشدق مسؤولي التعليم بنجاحهم في ذلك، تقرر هيئة التعليم فجأة تدريس اللغة اليابانية! ترى حينما يتوه ابني في سيلين سيحتاج إلى اللغة اليابانية أو حتى الإنجليزية لينجو، أم لمهارات حياتية تعينه على البقاء حياً حتى تصله النجدة؟؟ إننا نحتاج من خبراء التعليم -إن وجدوا- إيلاء المهارات الحياتية اهتماماً أكبر، وإعطاءها مساحة أوسع في المناهج.. فما حاجتي لطالب يحتاجه سوق العمل وهو يفتقر لكل مهارات النجاح في سوق الحياة؟ نحتاج من مسؤولي التعليم الحاليين التوقف عن سياسة الخُبط العشواء التي يديرون بها التعليم، ويكفون عن التلاعب بمصائر أولادنا الذين يواجهون تحدياً صعباً من خلال تعريب التعليم بعد خمس سنوات قضوها في الدراسة باللغة الإنجليزية! كما نحتاج من الإعلام إدراج مثل هذه البرامج المفيدة ضمن مخططاتها لعلها تصلح ما أفسده مسؤولو التعليم وتعلّم أولادنا مهارات حياتية مفيدة تحدث فارقاً في حياتهم، وتكسبهم مهارات تعينهم على مواجهة المخاطر والتصرف الكيّس الفطن خلالها، بدلاً من برامج –هابطة- تهبط بذائقة الكبير والصغير، وتحوّل الحياة لنكتة سمجة تحت مسمى الكاميرا الخفيّة أو البرامج الخفيفة!! خاصة أن الأخبار تتواتر عن تغيير شامل يخضع له تلفزيوننا العتيد، والذي نرجو أن يكون تغييراً جذرياً وعميقاً فيتجاوز تغيير الديكور كالمعتاد.