أزمة ثقة (١)

Loading

غادرت التعليم اختياراً لا اضطراراً منذ عشر سنوات حتى لا أكون جزءاً في حقل التجارب المنصوب منذ 2004.
وربما سبقت ذلك التاريخ سنون من الدراسات والخطط لتطوير التعليم وتبوؤ المراكز المتقدمة ومنافحة دول سبقتنا بمراحل لنحصل على المركز الأول – هاجسنا في كل المجالات-.!!
فحينما دخلت – تجربة المدارس المستقلة – وهي الصيغة التي تم اختيارها لتطوير التعليم كنت أعوّل كثيرا على هذا النظام ليخلصنا من عيوب المركزية والبيروقراطية ويحقق لنا أحلامنا وطموحاتنا كتربويين مارسنا التعليم بكافة مراحله.
إلا أنني ومنذ اليوم الأول فوجئت بالبون الشاسع بين النظرية والتطبيق فأليت على نفسي ومن معي أن نقدم نموذجاً ناجحاً في مدرستنا على الأقل ونجحنا إلى حد الرضا عن أنفسنا ومضينا معا براءة مما يحدث.. تحفنا شهادات ودعوات الأهالي والمختصين.
فالتعليم أمانة نسأل عنها يوم القيامة والمسؤولون حينها لم يتركوا لنا فرصة الاستقلالية بل شاركونا نجاحاتنا وتبرأوا من الأخطاء التي ساهموا فيها بنسبة كبيرة لا تقبل القسمة العادلة..
انتقدت نظام المدارس المستقلة قبل وأثناء وبعد تجربتي فيها..
وما زال من يواجه مشكلة في التعليم يرسل لي ويمدني بالأدلة والبراهين على أن هذا الميدان لم يصل للنضج والاستقرار بعد ولا يعدو كونه حقل تجارب يدفع ثمن أخطائه أبناؤنا.
مما ولد أزمة ثقة عميقة بين المجتمع والقائمين على التعليم الذين إذا أرادوا إصلاحا ضحوا بالكفاءات في سبيل المجاملات غالبا!
إن الإصلاح الحقيقي يبدأ باستشعار الأمانة والمسؤولية المشتركة والمحافظة على الكفاءات المشهود لها بالإخلاص والعمل الجاد.
فعلى سبيل الذكر لا الحصر – لأن الشواهد عصية على الحصر-..
تم مؤخراً إلغاء الاختبارات الوطنية لامتصاص غضب الأهالي واستبدلوها باختبارات تحصيلية…
إذا الخطأ -من وجهة نظرهم – في نظام الاختبارات الوطنية الذي أداره التقييم باقتدار بحسب الخطط والمعايير الخاصة به.. فلماذا يعاقب التقييم عليها؟!!
ويسحب منه الخيار الجديد نظام الاختبارات التحصيلية ليسند للتعليم هكذا دون إعداد أو تدريب.. أو توجيه قوي يدير تلك العملية المصيرية في حياة أبنائنا!!
فأي نتائج ننتظرها يا ترى؟؟
وهل ستعاد الكرة بعد الفشل مرة أخرى فتختارون نظاما آخر لتجربته!!؟
إلى متى يستمر حقل التجارب هذا؟؟؟
إلى متى تتركون أزمة الثقة في النظام تتفاقم؟؟!!
وما هو دور الخبراء والمستشارين في إعادة الأمور إلى نصابها والتعليم إلى قوته وضماناته؟؟
إن أزمة الثقة تلك تكلف الوطن المليارات.. صرفت على المباني والمعدات والتجهيزات والتدريب والتطوير.. فمن يحفظها؟
ألا يكفي تسرب كثير من المواطنين إلى المدارس الخاصة رغم التحفظات الكثيرة عليها؟
أليس الثبات والاستقرار ووضوح الرؤية في تلك المدارس سببا جوهريا في هجرة المواطنين إليها؟؟
أنصح سعادة الوزير بالانصات إلى جميع من يعمل تحت مظلة وزارته فربما يجد بينهم أكفاء يعيدون بناء الثقة في التعليم من جديد…
وحتى ذلك الحين.. أسأل الله أن يعينه على هذه الأمانة.. ويهيئ له ممن حوله مخلصين ومخلصات يضعون الوطن ومستقبله نصب أعينهم لا المناصب والرتب..

ختاما:
كمواطنة وولية أمر أهتم كثيرا بوجود قطر في المراكز المتقدمة في مجال التعليم.. إلا أن نوعية التعليم الذي يتلقاه أبنائي وجودته.. ثباته واستقراره تهمني بشكل أكبر..