انفصام حاد

Loading

يبدأ الإنسان اكتساب مهارة الكلام منذ بزوغ فجر حياته.. وبتراكم المفردات التي يسمعها تتطور مهارة التحدث كعملية ذكية يتحكم فيها الدافع وتتميز بالمضمون..
الأفعال أيضا مهارات مكتسبة تتقدم بتقدم العمر ألا أن تلك المهارتين تتحولان إلى رسل تنقل إلى البيئة التي تحيطنا رسائلنا و تبلور لها مرادنا..وتوضح أهدافنا..
فإن لم يتم الفعل مهمة القول بقيت الرسالة ناقصة وغير مؤكدة والانفصام بين الاثنين مؤذ ومضلل..
ويلخص المثل السائر( اسمع كلامك أصدقك.. أشوف أفعالك أستغرب) ما أريد طرحه هنا بشكل دقيق..
فكثيرا ما نصادف أشخاصا يتحدثون بشكل رائع ويقدمون وعودا أروع إلا أن حياتهم تعكس انفصالا حادا بين أقوالهم وأفعالهم .. وهذا محير جدا لمن حولهم الذين يفقدون القدرة على التعامل معهم أو بناء مواقف واضحة بناء على الرسائل التي يتلقونها منهم ..
ففي زمن غير بعيد كان الرجل (يربط من لسانه) بمعنى الكلمة التي يقولها تلزمه كالوعد تماما..
حينها كانت كلمات بسيطة مثل (ابشر. تم. إن شاء الله) وعودا واجبة النفاذ..
أما اليوم فيؤلمني الصغير الباكي وهو يخاطب أباه
:لا تقول إن شاء الله!!
لأنها فقدت معناها وتحولت إلى رمز للوعود غير المنجزة!!
حقيقة لم يعد المرء يدري أين يكمن هذا الخلل؟
هل هي طبيعة الزمان المتغير الذي يؤثر في معاصريه؟؟
أم هو الإنسان الذي تغيّر كثيرا وكأن زمان الصادقين انتهى.
ما أعرفه حقا
أنني لا أقوى على التعامل مع أشخاص يعانون من الانفصام الحاد بين ما يقولونه وما يفعلونه.. وفي هذا يحضرني ذم القرآن الكريم لفئة منهم حيث قال الله عز وجل :
(وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (224) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (225) وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ) (226)الشعراء
فما أكثر الذين يقولون ما لا يفعلون
يعطون عهودا وفي نيتهم أنهم لا يوفون..
ويتناسون وقوفهم أمام الله عز وجل حيث يسألون
أليس هو القائل :(وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) (34) الإسراء

ختاما :
من القواعد الحياتية المعروفة أن ‏الدنيا سلف ودين
والحياة أخذ وعطاء والأيام دول.