ما يلفظ من قول

Loading

في جيلنا — جيل الطيبين — كنا ندرس العلوم الشرعية كلها كالقرآن وعلوم التفسير والتجويد والسيرة النبوية والحديث والتهذيب والفقه والعقيدة دراسة متعمقة وحفظا للأدلة والبراهين..
فكنا نؤسس تأسيسا عرفنا قيمته كلما مضى بنا العمر قدما ورأينا تقلبات الزمن وتلونات البشر!!
وأكثر ما يحزنني — كتربوية — اختصار العلوم الشرعية في كتاب واحد عبارة عن مختارات من كل علم ديني..
اهتم معلموه (إلا من رحم ربي) بتطبيقهم المعايير والكفاءات أكثر من اهتمامهم بتهذيب طلابهم وإعدادهم للفتن المتلاحقات التي تتنزل بنا كالشهب الحارقة!!
فنشأ الجيل الجديد الذي حرم متعة متابعة الوالدين (إلا من رحم ربي) ومساهمتهم في تربيته جاهلا بأبسط تعاليم دينه متنصلا من سنة نبيه، عاجزا عن القيام بأركان الاسلام كالصلاة مثلا (إلا من رحم ربي)..فلا حول ولا قوة إلا بالله..
فرغم تسابق الأبوين حاليا على الدراسات العليا والمناصب الأعلى، إلا أنهما خسرا بالضربة القاضية في ميدان التربية أمام أبوين لم ينالا من العلم نصيبا يذكر وربما لم يتعلما أساسا لكنهما نشأ على الفطرة النقية في عصر أحكم غلق الأبواب في وجه فتن العصر وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي..
هذه الفتن المتوالية التي تثير في نفسي الشفقة على كثر لم يحصنوا تحصينا اسلاميا منيعا في تعليم سعى لأن يكونوا مواطنين عالميين يرطنوا بالانحليزية لكنهم لا يفقهون من أمر دينهم شيئا!!
فتجدهم في كل مؤتمر أو اجتماع يبزون الأجانب في الرطانة لكنهم يفشلون في مناظرة أولئك الأجانب حول دينهم الذي ضعف اتباعه فسهل استهدافه في الحرب والسلام!!
هؤلاء هم من يتحكمون في وسائل التواصل الاجتماعي الان فان وجدت بينهم ملتزما ينشر تعاليم الاسلام أو ينافح عنه بموضوعية واعتدال وعن بينة فأنت محظوظ.. لأنهم قلة وكأنهم يحققون نبوءات الرسول صلى الله عليه وسلم عن آخر الزمن حين قال:
((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء))
غرباء يصلحون ما اعطبه الناس من سنة رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ضاقت بهم الأرض واتسعت لهم السجون والمعتقلات فطوبى للغرباء..
برز كثيرون في وسائل التواصل الاجتماعي يبحثون عن رضا الناس فأضاعوا موجبات رضا رب الناس وأقل تلك الموجبات مراقبة ألسنتهم لأنها تفيض بما يغضبه سبحانه وتعالى وهو الذي توعدهم بالمراقبة اللصيقة قائلا في سورة ق:
((ولَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ، إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ، مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))
ففات الجاهلون أنهم محاسبون على كل لفظة يرسلونها في فضاء الانترنت.. وليتهم يعلمون بان تلك( الهذرة) اثقلت موازينهم بالذنوب ونفرت جمهور تلك الوسائل الذي يشهد تجاوزات أخلاقية غير مسبوقة يقوم بها الجهلاء طلبا لرضا المتابعين وزيادة عددهم!!
لهؤلاء أسوق وصف الرَسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زمن الفتن هذا ودورنا فيه:
(( بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا مادية مقيتة، يبيع الرجل أباه بدريهمات وَهَوًى مُتَّبَعًا غرق الناس في الشهوات إلى قمة رؤوسهم وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، الصَّبْرُ فِيهِ مِثْلُ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِمْ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا، يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ))
ويقصد بخمسين رجلا: رجالا عاصروه عليه الصلاة والسلام.
فيا أيها المعتدون برأيكم المجادلون غيركم
الشتامون الشامتون الساخرون الهمازون المغتابون انتبهوا فان: ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ وكل شيء مسجل حتى يوم يلتقي فيه الخصوم عند ربهم..حينها لن ينفعكم المتابعون المعجبون.. فكل مشغول بكتابه..
نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة

الخلاصة:
رحم الله امرءًا قال خيرًا فغنم، أو سكت فسلم..