أحجار الدومينو

Loading

في طفولتي كانت تشدني مشاهد يعرضها التلفزيون لحجارة الدومينو المصفوفة التي تتساقط تباعاً بمجرد سقوط الحجر الأول.. كانت مشاهد إبداعية تدل على عبقرية الإنسان وتفرده في أفكاره ومنجزاته. كما أنها كانت ممتعة ومدهشة خاصة لطفلة لم يدرك عقلها أبعاد العالم الحقيقي بعد.. وكبرت الطفلة لتفاجأ بأن لذلك المشهد الإبداعي الجميل وجهاً آخر يخلو من أي إبداع وابتكار. وجه ينم عن ضعف خطير في الشخصية، وخواء عميق في العقلية.. وجه يكشف عشاق التقليد الذين زادوا حب المظاهر حدة وتطرفاً. فصرت أرى أحجار الدومينو في كل مكان عام أقصده!! نسخ مقلدة تمشي مزهوة بالأزياء والماركات وغيرها من الصرعات المؤسفة التي أطاحت بزينا الوطني وحشمة بناتنا ورجولة أبنائنا.. فالعباءة تحولت لزي هجين حتى بدأت تفقد لونها الأسود المحتشم تمهيداً لخلعها فيما بعد.. فالمجتمع يمر بتدريج التخلص من الزي الوطني حتى صار المتمسك به متخلفاً عن ركب حضارة الدومينو.. ولم يتوقف الأمر عند العباءة فتحتها بدت لنا (الكراعين) المسلسلة بالخيوط والخرز أو حتى الذهب والفضة، ولا بد من رولكس لتكتمل «الأبهة». و»العصاقيل» الملفوفة بما يسمى «لقنز»، وهو بنطال لاصق بالجسد يحدد ملامحه لأصحاب الخيال المريض.. مناظر مقززة كلما رأيتها رثيت لحالهن، فربما لا يعلمن أنهن انعكاس لثقافة الدومينو، والتي تعني أنهن بكل بساطة يتلقفن ما يرمى إليهن من شياطين الإنس ويلبسنه دون وازع من دين أو هوية أو تراث!! والشباب ليسوا بأفضل حالاً من البنات، فصرنا نشهد (المتحولين) في كل مكان دون حياء!! ترى أي جيل سيولد على يد أمثال هؤلاء؟ أي جيل لا يكترث بالدين ولا يقيم وزناً للهوية ولا يحترم الآخرين! فمن حقوق الآخرين حق الملكية الفكرية، ولكن المقلدين بهوسهم الفج بمظهرهم أقاموا صرحاً للصناعات المقلدة التي تختطف حقوق الإبداع لتشبع نهمهم.. إنه جحر الضب دخلتموه أيها المقلدون، فأضعتم كل شيء وصرتم نسخاً متشابهة تماماً كأحجار الدومينو، جميلة وبراقة، لكنها مجرد حجر.. قطيع يتداعى بإشارة من شيطان الموضة! ولا يستطيع المقاومة واستخدام عقلة ووجدانه لإيجاد شخصيته المتميزة، حقاً مؤسف ما نراه من تهافت على التقليد. إضاءة و… ذكر عسى أن تنفع الذكرى. عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا.