لا يوجد بيننا من لم يختبر هذه العلاقة الرائعة التي اصطلح على تسميتها بالصداقة.. ولا يخفى عليه تجانس حروفها مع واحدة من أفضل القيم وأسمى الأخلاق هي (الصدق).. وفي رأيي أن الصداقة هي أعمق وأدوم رابطة بين اثنين، خاصة بعدما اعترى الــزواج ما اعتراه من ممارسات أفقدته الكثير من ألقه، الذي تستطيع الصداقة بين الزوجين استعادته بكل سهولة.. بل أنصح بتأسيس صداقة خلال الزواج لتزيده عمقاً ومتانة. وحتى تدوم الصداقة وتستمر حتى آخر أيام العمر لا بد من التحلي بصفات كثيرة استطاع الشاعر الكبير بشار بن برد تلخيصها في أبيات ذهبت كالحكم الشوارد بين الناس عبر
العصور.. حيث قال:
إذا كنت في كل الأمور معاتباً
صديقك لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعش واحداً أو صل أخاك
فإنه مقارف ذنب مرة ومجانبه
إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى ٍ
ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه
وهي بلا شك نصيحة تبذل لكل الأطراف حرصاً على استثمار هذه الرابطة الإنسانية الفريدة لتشكل جهة دعم نحتاجها في تقلبات الحياة وتصاريف القدر.
والصديق الذي يصمد حتى نهاية العمر له مواصفات خاصة، وهو من نسميه «أخاً لم تلده أمك» بل مع طول العشرة يتحول من أخ إلى تؤام يمرض إذا مرضت، ويسعد إذا سعدت.. ومهما حاولنا التمحيص والبحث عن هذا الصديق نجد أن للأقدار دوراً لا يستهان به في ترتيب اللقاء الأول مع صديق العمر، فيكون ذلك بمثابة شهادة التصديق عليه، ليتحول فيما بعد إلى الرفيق الذي وإن سكن دياراً أخرى بقي على العهد وواصل الود وحجز أول رحلة ليكون بجانبك.
عن نفسي أجتهد لأكون ذلك الرفيق الذي لا يستغنى عنه ولا يصبر عن رفقته، وقد أنعم الله علي برفاق لا يعوضون أحرص على صحبتهم ووجودهم حولي، لإغناء حياتي ودعمي حين الحاجة.. ليست لدي شروط ولا مواصفات خاصة.. فقط إنسان صــادق يحترم خصوصيتي، يقدر ظروفي ولا يعاتبني عتاباً غليظاً، يحبني حباً غير مشروط كما أفعل أنا.
هذا الصديق سيجدني حريصة على صحبته أدعمه وأسانده ولا أعاتبه حرصاً عليه وتقديراً لظرفه.
حينها فقط ستتشكل العلاقة القوية الممتدة عبر الزمان فلا تقوى على فتّها مصائب الدنيا وصروف القدر.. والمصطلح على تسميتها بالصداقة.
فلأصدقائي كل محبتي وتقديري ودعواتي الصادقة بخيري الدنيا والآخرة.