تستوقفني عبارة كلما مررت بها أثارت في نفسي الكثير من المشاعر المختلطة كالقلق والتوجس والخوف على بلد آمن مطمئن نعشقه ونسيء إليه في آن واحد!!
العبارة تجري على لسان جد يحدّث بها حفيده قائلاً:
حدثناكم عن جوع مرّ بنا.. وأخشى أن تحدثوا أبناءكم عن نعمة مرت بكم..
عبارة لا تحتاج إلى تفسير بقدر ما تحتاج إلى تأمل عميق يوصلنا إلى حقيقة السفه المترف الذي أصاب أغلبنا في مقتل، وأخشى أن يتسبب في زوال نعم الله علينا.
عبارة معجونة بالخوف لانتشار مظاهر الكفر بالنعم والجهر بالمعصيّة وإليكم بعض منها:-
-التفاخر وحب المظاهر الذي يدفع البعض للإسراف وهدر النعم في تسابق غير محمود لإبراز الذات المتضخمة..
فتطغى مظاهر الغنى المزيف كالسيارات والماركات والخدم والفلل (الشبيهة بالقصور)!!
وغيرها من أسلوب حياة قد يخفي وراءه ديوناً بنكية طائلة وتعثراً في سدادها بسبب الانشغال بتلك المظاهر.
– الأعراس بشكل خاص، وما يصاحبها من استنزاف فاحش للمال والطعام، وأحياناً الأخلاق، وفي مقدمتها الحياء.. وحفلات استقبال المواليد وتوديع العزوبية، وغيرها من صور التشبه بأقوام فنت أخلاقهم فانتشرت فيهم المصائب والأمراض.
إنني أذكركم ونفسي بوجوب المحافظة على ما أنعمه الله علينا بشكره وتقدير فضله.. وذلك بالتزام أوامره والابتعاد عن نواهيه والمجاهرة بمعصيته. وإليكم هذه الذكرى لعلها تنفع من آمن واتقى قال تعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ».
ولا يخفى على لبيب أن الله -عز وجل- قد توعّد من كفر بنعمته بالعذاب، وأي عذاب أكبر من سلب تلك النعمة لتصبح مجرد ذكرى نحدث بها الأحفاد بألم وأسى، وهم يستمعون إلينا بغضب وكدر، لأننا حرمناهم منها بكفرها وجحودها!!
لا بد أن نتعاضد جميعاً ضد ما يحدث، ولو باستصدار قوانين توقف هذا السفه عند حده، وترحم الجماعة من بعضها الذين أعمتهم الدنيا وغرتهم مظاهرها.. فبعض الدول فعلت وأخضعت شأناً خاصاً كحفلات الزواج لحكم القوانين، لتحد من مظاهر الإسراف والتسابق في المظاهر والبذخ.. فمن لم يردعه القرآن يردعه السلطان.