يغفل البعض عن أثر الكلمة حين يلقيها على مسامع الآخرين، فيظن أنها (لا تُقدم ولا تُؤخر)، بينما الواقع يؤكد أن أثرها عميق جداً يتراوح ما بين البلسم الذي يداوي القلوب، والسم الذي يقتلها. ويصف الله سبحانه وتعالى الكلمة الطيبة فيقول: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) إبراهيم: 24.
كما أن رسوله عليه الصلاة والسلام أعلى من قدر الكلمة فقال: (الكلمة الطيبة صدقة) ومع ذلك تجد من يبخل بها على الناس، فيحرم نفسه أجر الصدقة وهو لو تعلمون عظيم.
فطيب الكلام مفتاح القلوب يؤسس العلاقات الإنسانية، ويدعم الروابط بين الناس، ولطيّب الكلمات مكانة عندهم يحبونه ويعشقون قربه. فحديثه فاكهة المجالس، وأسلوبه الجميل من طيباتها. وصدق عز من قائل حين قال: قولوا للناس حسنى. فالاحسان يستعبد قلوبهم. و.. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) فاطر.
فتذكر ذلك حين تبادر بالكلام أو ترد عليه، ولا تنس أبدا قول الرسول الكريم «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذئ» وحقيقة الأمر: إنه لا يليق بكلام الله عز وجل ورسوله الكريم أن يجتمعا مع الكلام السييء على لسان واحد ويستقرا في قلب واحد. فقرر ما يجب أن تفسح قلبك له لتكسب رضا الله سبحانه وتعالى ومحبة الناس في آن واحد، واعمل على أن تراقب كلماتك واضعاً نصب عينيك قول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: «إنّ العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم».
فكم من راقية المظهر… سوقية المنطق!، وكم من كريم الأصل… بذئ فاحش القول!.
علينا أن نكون رقباء على أنفسنا، فننتقي كلماتنا قبل إطلاقها كالرصاص، فالرصاص إذا أطلق لا يمكننا التراجع عنه، فيخلف دمارا شاملا وعقداً تأبى أن تنفك وجروحاً غائرة لا علاج لها.
فكم من طفل شوهت نفسه وعقدته.. كلمة، وكم من طالب هدمت طموحه وأضاعت مستقبله.. كلمة، وكم من ارتباط وثيق فككته.. كلمة، وكم من ظلم أشد مضاضة من ضرب الحسام أوقعته كلمة.
فلو أننا ادركنا عمق أثر كلماتنا على الناس لعلمنا أهميتها واقتصدنا في هدرتنا. فكم من مصائب حُلّت بكلمة، وكم من صِلات دعمتها كلمة، وكم من خصومات أزالتها كلمة.
علينا جميعا – كل في مكانه وأدواره – أن نعلي من شأن الكلمة لتعلو بنا.. ونحذر من ترك الندوب في نفوس من حولنا خاصة الأطفال الذين لم ينضجوا بعد، فمعهم ينبغي أن نكون أشد حرصاً وأكثر حناناً.
اللهم هل بلغت.. اللهم فاشهد