تأمل في غير محله

Loading

الدراما التلفزيونية المبنية على قصص حقيقية دروس وعبر يتعلم منها الإنسان الكثير،

وقد وجدت في نفسي ميلا لمتابعة الدراما الأجنبية منذ الطفولة حتى الآن، لأنها تتميز بالأصالة والتجدد وقوة الحبك، وأعزو ذلك للمعايير التي يعملون عليها، لأنهم ينتجون أعمالا للمسابقات والمهرجانات العالمية، ولا يوجد كالمنافسة لتجويد الأعمال.

ومؤخرا وجدت ضالتي في قنوات

Discovery ID

Crime & investigation

التي تقدم أعمالا (متعوب عليها) كما يقال، فواقعية التحقيقات الجنائية الممزوجة بالمشاهدة الدرامية التي تبثها هذه القنوات واحدة من أفضل الأعمال التي تسترعي انتباهي، وتدعوني إلى التأمل في طبائع البشر، والذي قد يراه بعضكم أنه تأمل في غير محله.

لكنه شغفي الذي بدأ بمتابعة هذا النوع من الدراما مع انطلاقة سلسلةCSI في القنوات العربية، وهي سلسلة ناجحة جدا أنتجت عام 2000 وقدمت13موسما، كان سببا في توليد عدة سلاسل تخصص كل منها في جرائم مدينة مختلفة، كما انتجوا مؤخرا سلسلة جديدة تتناول الجرائم الالكترونية، مواكبة للتطور التقني ورصدا لآثاره الجانبية القاتلة أحيانا، وأعتقد أن جذور هذا الشغف هي قراءة الالغاز البوليسية التي كنت ألتهمها التهاما في مراحل طفولتي المتأخرة.

إن أهم ما يقدمه هذا النوع من الدراما – في رأيي – هو تدريب العقل على أنماط مختلفة من التفكير التحليلي والاستنباطي، كما تحظى الحواس أيضا بنصيبها من التعلم والتدرب للعمل على مستويات عدة، فتقوى الملاحظة، وتسرع البديهة، وتتأجج الفراسة، وتكتشف أسرار لغة الجسد، وتقرأ الأمكنة والأزمنة.

ما يؤسفني فقط هو ما تقدمه البرامج الواقعية من صور وحشية للمجتمعات التي تقع فيها هذه الأحداث، مما يستفز بداخلي مجموعة من الملاحظات التي ينبغي أن تتوقف عندها الهاربات من قسوة مجتمعاتنا الخليجية المزعومة، لتلجأ إلى الغرب، حيث يعيش في أقبية الوحشية ودهاليز القسوة بشر على هيئة شياطين لا يختلفون عن وحوش البرية، لا يقيمون وزنا لأي شيء ولا يحترمون أي قيمة.

فتأملي في تلك الأحداث الواقعية خلص إلى أن:

1. استهداف النساء بالقتل والاغتصاب والعنف المنزلي بشكل مكثف ومركز إلى درجة التعجب والتساؤل، كيف يستطعن النساء العيش تحت سقف هذا المجتمع المتوحش والثقة في أفراده؟.

2. والحديث عن الثقة يجرنا إلى أن أغلب الجناة إن لم يكن كلهم من الذكور المقربين للضحية!.

3. والمفجع أنه كلما ازدادت الجرائم وحشية كان الجاني من محيط دائرة الضحية!.

4. لخص المحققون دوافع الجرائم في دافعين اثنين لا ثالث لهما هما المال والحب.

5. لعب التأمين على الحياة دورا كبيرا في إزهاق الأرواح للاستفادة من المال، مما يحز في النفس السوية، ولعل هذا هو سبب تحريم التأمين على الحياة عند بعض الفقهاء.

6. الجرائم العشوائية تمثل نسبة لا يستهان بها، الأمر الذي يعيد التفكير في الحضارة الغربية الحديثة.

فرغم كل العلم والعلماء في تلك المجتمعات تزداد الجرائم ولا تنقص، والأسوأ أن المجتمعات العربية باتت تشهد هذا العنف والجرائم الوحشية، وبتنا نقرأ ونسمع عن جرائم بشعة في محيطنا العربي والخليجي لم نكن لنتصور حدوثها من قبل، لولا أن بعض العرب طبعوا على النسخ واللصق!.

في رأيي الخاص، ما كانت الأحوال لتصل إلى هذا الحد من الانحدار الإنساني، لو احتكموا لدين أو احترموا القيم التي يتبجحون بها ويتنمرون علينا، فصدقتها بعض الفتيات الساذجات المغرر بهن، فهجرن مجتمعاتهن، وضللن الطريق هناك.

إنها الفطر النقية والتربية السليمة التي تحمي الناس من شرور أنفسهم، وعليها فليعمل العاملون.