الحصاد المبارك

Loading

حينما التحقت بجامعة قطر كنت أنوي التخصص في الخدمة الاجتماعية أو علوم المكتبات، لأنني أجد في نفسي اكتمالا بأحدهما
ولكن كان للقدر اختيار آخر بعيد كل البعد عما خططت له، فقسم الخدمة الاجتماعية أغلق أبوابه، اخترت التاريخ بدلا عنه إلا أن العدد اكتمل قبل أن أطرح الخيار على مرشدي الأكاديمي الذي صادف أن يكون استاذي للغة العربية في السنة الأولى بالجامعة.
فتفاجأ من رغبتي في تخصص المكتبات
والدولة تحتاج معلمات، فسألني هل تريدين العمل بعد التخرج مباشرة؟؟
فأجبته طبعا بالتأكيد، فقال تخصصي في اللغة العربية، لأن حاجة قطر لمعلمات اللغة العربية من المواطنات ماسة لكنها صعبة.. أجبته، فقال كيف ذلك ؟
فقام باخراج أوراقي من ملف على مكتبه
وكانت علاماتي في المادتين مرتفعة..
ورحت أحاججه بأن النحو صعب وما إلى ذلك
إلا أنه أقنعني بالتسجيل في قسم اللغة العربية
لأبدأ مشوارا لذيذا كمتعلمة ثم معلمة ثم موجهة لاختار التقاعد المبكر فاتفرغ لعشقي الأول الإعلام. فأعددت البرامج وأصدرت الكتب وكتبت المقالات، لأنني تجاوزت سلبيات تلك الرحلة اللذيذة، لأنعم بالرضا التام واستمر في العطاء بإخلاص وابداع
كما يثني علي المنصفون.
ويتدفق ذلك الرضا ممزوجا بسعادة غامرة
حين أصادف على طريق الحياة طالباتي الوافيات ونتبادل الذكريات الغزيرة واللحظات العزيزة.

فعلاقتي بهن مختلفة لأنني اختلفت عن غيري من المعلمات في اعتماد أسلوب تربوي يقتضي الانتقال مع الصف الذي أعين مربية له عاما بعد عام فأعايشهن ثلاث سنوات متتالية على الاقل
لأنجح في بناء علاقة قوية تقاوم السنين.
تفيض احتراما وتقديرا متبادلا.

ولا تسعني الفرحة الممزوجة بالفخر حين
تتواتر لي أخبارهن وتفوقهن في مجالاتهن
التي اخترنها وأبدعن فيها.

لذلك قررت منذ العام الماضي أن أخصص مقال الأسبوع الأول من مايو عنهن بذكر بعض النماذج منهن لاستشعر قيمة حياتي وانجازاتي
وأفرح بهن فرحة لا تقل عن فرحة أمهاتهن بهن.
وفي هذا العام أذكر بحسب ترتيب لقائي بهن
١- دلال الأحبابي طالبة رقيقة كالنسائم وهادئة كطفل غلبه النعاس.. متفوقة ذكية نبيهة هكذا اتذكرها. في الثانوية أكملت طريقها الجامعي حتى استقرت بتفوق في مختبرات مؤسسة حمد الطبية، لترتقي سلم الدراسات العليا لتحصل على الماجستير في تخصصها.. كمحطة من محطات التفوق.. التي تسافر عبرها.
٢- ريما المريخي اسم معروف في مجال العمل التطوعي، فهي عضو مجلس إدارة ممثل الشباب كذلك، هي ناشطة في مجال العمل الانساني والاغاثة وادارة الكوارث فتجدها تتنقل بخفة الفراشة وبعطاء وهمة ودأب النحلة.. حين اتذكرها على مقاعد المرحلة الاعدادية اتذكر طالبة مميزة أخلاقا وعلما. وحقيقة هي اسم لا ينسى ويبدو أن ذلك قدرها حين سخرها الله لخدمة الإنسانية والتخفيف من أحزانها ومداوة جراحها..
3 – ضافية المري اذكرها وسمات التدين والالتزام جزء لا يتجزأ من سماتها الشخصية، فمنذ لقائي بها في المرحلة الثانوية وهي نموذج للالتزام الديني في سن مبكرة مما يدل على النضج وحسن التربية لذلك لم استغرب تركها الهندسة لتلتحق بركب الداعيات، فهي حافظة للقرآن الكريم ومجازة في أربعة من كتب السنة، درست العلم الشرعي بوزارة الاوقاف لمدة سنتين على يد المشايخ فكانت الاولى في دورة تأهيل الداعيات بنسبة ٩٩٪؜. وحاصلة على الشخصية المتميزة لملتقى للفتيات المسلمات بالشارقة.

ذلك هو الحصاد الحلو الذي يغالب مر الحياة وسلبياتها فيغلبها..
أسأل الله عز وجل أن يبارك فيهن وسائر بنات المسلمين فهن نماذج طيبة لما ينبغي أن تكون عليه الفتاة المسلمة.

ختاما:
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11]