يختتم هذا الأسبوع بأجمل ختام حيث يحل علينا أفضل الشهور وأكرم الضيوف شهر رمضان الكريم بنفحاته وخيرات الله العظيمة نهاية الأسبوع.
ويأتي رمضان هذا العام في ظروف استثنائية وإجراءات احترازية تلزمنا البقاء في بيوتنا والتباعد بمسافات عن احبتنا، لذا يظن البعض أنه سيأتي منقوصا مسلوبا من جمالياته التي لا تكتمل الا بصحبتهم.
والبعض الاخر – وأنا منهم – نجد هذه الظروف الاستثنائية فرصة عظيمة تسمح لنا بانتهاز لحظات رمضان قبل أيامه لتحصيل الأجر والمثوبة وتحقيق أهداف رمضان القصوى في تهذيب الروح والبدن.
وأتذكر مثل هذه الفرصة عندما تقدمت بطلب تقاعد مبكر حينها لم يجدوا لي اجازة بدون راتب ليخصموها سوى عشرة أيام أعدها من أحلى أيامي اغتنمتها من ١٧ عاما من الخدمة الدؤوبة في مجال التعليم راضية عنها كل الرضا.
فما حكاية تلك الأيام العشرة؟.
أذكر قبلها أنني تعرضت لضغوط شديدة دفعتني دفعا لطلب اجازة بدون راتب التماسا للراحة وتخفيفا من وقع تلك الضغوط على نفسي وعملي.
ولحسن حظي انها صادفت العشر الأواخر من رمضان ذلك العام. فكانت فرصة رائعة للمكوث في البيت حيث الأجواء الروحانية للشهر الكريم والرغبة الروحية الشديدة في الاستفادة من فضائله، إلى أقصى درجة ممكنة.
فكان رمضان الأروع بالنسبة لي لأنني ألقيت بنفسي في أمواج نوره المتدفقة، ونهلت من ينابيعه المقدسة، فزال همي وخفت ضغوطي وعدت للعمل بروح مشبعة بالخير متطلعة لأيام أفضل.
أتذكر ذلك وأنا أسمع التململ والضيق لأن رمضان قد يمضي كله في الحجر المنزلي والاعتزال المجتمعي فأذكّر بقوله تعالى:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
إن المكوث في البيت دون الاضطرار للخروج إلى العمل في شهر رمضان فرصة عظيمة لا يدركها ويحسن استغلالها الا الموفق، أما الغافل فكان الله في عونه حقا.
ولاستغلال هذا الوقت الوفير في العبادة المخلصة لوجهه تعالى ينبغي أن توضع خطة واضحة مدركة أن الاسلام لا يقتصر على الصلاة والصيام وقراءة القرآن فحسب، بل به متسع يغطي كل الخطط والجداول الموضوعة لاستغلال شهر رمضان فيما ينفع الإنسان نفسه ومن حوله.
فعلينا أن نكون مدركين مبدعين ونهيئ أنفسنا لرمضان استثنائي قد لا يتكرر مرتين.
لذلك أقول لمن يؤزه ضعف إيمانه أزا فيلتمس الفيروس سببا لاباحة الافطار في رمضان، وتعطيل فريضة الصيام: اتق الله في نفسك ولا تفتح للشيطان طريقا لا تعود منه أبدا.
فلله الحمد والمنة لم يترك الإسلام فرصة للاجتهاد في ذلك، فمنح المريض الذي يعطى رخصة للإفطار من طبيب موثوق وأمين عذرا شرط القضاء والصدقة، أما الإفطار الجماعي بعذر فيروس كورونا فتلك هي الطامة الكبرى، وأصلي ألا تحدث بأي مكان.
ولا أنسى في هذا المجال أن أوصي الجميع – ونفسي أولهم – بأن يرتقوا بمفهوم الصيام والافطار عن درجته الدنيا وهي المأكل والمشرب وغيرهما من الشهوات فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم “صوموا تصحوا”.
والصحة أبعد ما تكون عن الاستغراق في تلك الشهوات فحسب الإنسان لقيمات يقمن صلبه.
فالاقلال من الشهوات يعين على أصعب العبادات، كقيام الليل والسحور قبيل الفجر وغيرهما من العبادات والسنن المهجورة.
أيها الأعزاء
انسوا مرارة الانقطاع عن الأحبة وتعلقوا برب الأحبة، على أمل أن نلتقي بهم مجددا في العيد ليكون عيدنا عيدين.
أتمنى لكم رمضان استثنائيا مباركا ومتقبلا.
كلمة أخيرة..
بما أننا نعيش زمن كورونا فإنني أرى التبرع بالبلازما يأتي في مقدمة مشروعات الصدقة هذا العام، فأرجو ألا يتوانى عنها المسلمون خاصة بعد الأخبار المبشرة التي أكدت نجاح استخدامها في علاج الفيروس.
فالصدقات من أعظم العبادات التي ارتبطت بشهر رمضان ونتقرب بها إلى الله زلفى، ونطمح لقبولها وخطها في كتاب أعمالنا.