كورونا فرصتك

Loading

لم يترك الإسلام شاردة ولا واردة الا أحصاها بإخلاص الأولين في توثيق الأوامر الإلهية والسنن النبوية والمآثر الأخلاقية وحرص المتأخرين في الاجتهاد والقياس والاستنباط من ذلك ما يصلح أن يكون لنا شرعة ومنهاجا.

لهذا كان الدين الخالد مرجعية لأهله وغيرهم من أنقياء القلوب أصفياء العقول الذين أقروا بسلامة تعليماته وصدق توجيهاته فاتخذوه أساسا لحضاراتهم بما اقتبسوه من قرآنه وما زالوا يقتبسون، إقرارا به كدستور صالح لكل زمان ومكان.
شهدنا ذلك في العديد من الوسائل التي تنادوا من خلالها الى الروحانية بعدما خذلتهم المادية شر خذلان.
فماذا عنك أيها المسلم الذي ورث الدين وولد مسلما، فنشأ الأغلب غير مقدر لهذه النعمة فتعامل معها على أنها من المسلمات لا نعمة النعم التي يجب تعهدها بالعناية والرعاية حتى لا تزول.
وقد زالت عن البعض فلم يبق لهم من الإسلام الا الاسم، والبعض كان حرمانه أكبر فخرج عن ملة الإسلام منتصرا أو متهودا بحسب الظروف والرفاق
ناسبا كل النواقص إلى الدين العظيم، وما النقص الا علته.
لذا جاءت جائحة كورونا – مهما اختلفنا حول أسبابها- كتذكرة ربانية وموعظة إلهية ساقها الله عز وجل بشيرا ونذيرا لقوم يعقلون.
فهل من اعتبار أولي الألباب؟
أعتقد جازمة أن العزلة التي نساق إليها سوقا ونحن بين الخوف والرجاء هي فرصتنا الذهبية – التي قد لا تتكرر- للقاء رب العالمين من خلال عبادات مجودة وابتهالات متوسلة وذكر لا ينقطع. وكلما اجتهدنا أكثر كلما كانت القطاف ألذ وأكبر، وهذا برأيي الهدف الخفي للحجر أو العزل.
إن الاستشفاء الروحي أولى من شفاء الجسد ففي غفلة منا تعبت أرواحنا وصدئت قلوبنا وأضعنا الهدف الكوني من وجودنا، فالله عز وجل في الذاريات يقول:
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” (56)
فكيف هي عبادتك.. وكيف هو حال دينك؟
احرص أيها الإنسان على أن يكون العزل أو الحجر فرصتك للقاء الله عز وجل متجردا من كل الهموم والمشاغل، مقبلا على التزود بالبر والتقوى انفاذا لأمر الخالق سبحانه وتعالى في البقرة “وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ” (197).
خاصة أولئك الخائفين الذين يظنون أن أزمة كورونا إرهاصات القيامة.
عليكم بالتزود ليوم آت لا ريب فيه بدلا من الانشغال بالهلع والوساوس التي ما أنزل الله بها من سلطان، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.
فلكل منا قيامته فلا تشغلوا أنفسكم بيوم الحساب بل ركزوا على أن تعيشوا طيب المقام وترجوا حسن الختام اللذين يوجبان الجنة، وهي قمة الأمل وغاية الحلم.
أما المشككون من المسلمين فأسأل الله لهم الهداية والعودة إلى حمى الدين الصحيح كما يفعل الكثيرون هذه الايام من الكفرة والكتابيين الذين خلقوا على فطرة التوحيد.
وهو أمر هين لو أحسنتم استثمار الفرص الذهبية التي تختبئ في ثنايا الجائحة، ولم تشغلوا أنفسكم بالقيل والقال وكثرة السؤال والفلسفة الفارغة التي تصادم عقولنا وقلوبنا.
هدانا الله وإياكم لدينه العظيم والإيمان السليم الذي تنادت به أصول الأديان قبل تحريفها.
ختاما
همسة في أذن الوجلين الخائفين
قَالَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ – “كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ”.
فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ لَهُمْ: “قُولُوا: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا”.
رفع الله الوباء عن الإنسانية جمعاء