ما أجمل أن تدخل سريرك عند العاشرة ليلا لتنام والهدوء يغمر الكون من حولك فلا تسمع صوتاً ماعدا حفيف الشجر عند عبور النسيم..
والأجمل أنه لا إزعاج يكدر منامك حتى تستيقظ صباحاً مع الكون حيث ينشغل الجميع بالاستعداد لبدء يومهم بنشاط..وإقبال على العمل والسعي في مناكب الأرض ما أجمل أن تمارس الهدوء والراحة في العطلة حتى ساعة متأخرة من الصباح دون إزعاج من عامل نشيط يغسل سيارة كفيله أو فناء بيته..
أو جمع من العاملات اجتمعن حول حاوية القمامة (أعزكم الله) ليتجاذبن أطراف الحديث مبكرا.. ناهيك عن الاتصالات التي لا تحترم ديناً ولا عرفاً ولا حتى وقتا وكم ستكون محظوظا إذا جاورت عائلة هادئة فلا أصوات عالية ولا مشاكل معلنة ولا سهرات مزعجة..
وليس هذا علينا ببعيد.. فديننا الحنيف لم يترك شاردة ولاواردة إلا أحصاها ووضع لها قوانين سماوية أضعنا الراحة يوم أضعناها ففي مدينة أوروبية أعيش حالياً تجربة لم أعهدها سابقا وأنا كثيرة السفر والترحال..
فأول مالفت انتباهي في تلك المدينة هدوءها المريح الذي يتيح لك الاستمتاع بأصوات الطبيعة من شجر وطير..
كما هالني منظر الشوارع الخالية أيام الأحد وأنا أسكن مايسمى بالسنتر.. بل حتى الكنيسة القريبة لا تبدأ بدق نواقيسها إلا بعد الحادية عشر صباحا!!
والأهم من ذلك كله أنك لاتسمع بوق السيارات مطلقا لا ليلا ولا نهارا ماعدا صافرة الإسعاف والشرطة!!
واقع جميل ومريح أثار فضولي فاستفسرت لأعرف أن هناك قانونا ملزما يسمى بقانون عدم الإزعاج يبدأ تنفيذه من العاشرة حتى الخامسة أو السابعة صباحا لا يسمح لك بإصدار أدنى درجات الإزعاج حتى تشغيل غسالة الملابس !!!
فسبحان القائل {اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}و {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} وهو سبحانه أعلم بنا وباحتياجاتنا وحاجة أجسادنا للراحة والهدوء.
ومما عرفته أيضا أنه ينبغي عليك أن تستأذن جيرانك برغبتك في إقامة احتفال أو وليمة حتى لاتسبب في إزعاجهم وتكدير صفوهم.. في دلالة واضحة على احترام حقوق الجار وتقديره.
لا أدري لماذا تذكرت الآن ذاك الشاب غير المسؤول وهو يضع يده على بوق السيارة الواحدة فجراً لأن أحدهم وضع سيارته في الموقف الخاص به ضارباً عرض الحائط النائمين وحقوقهم؛!! وطرق موزع الغاز على الأنابيب المعدنية ليعلن وجوده لمن أراد خدماته؛!!
وتلك الجارة التي تخرج إلى شرفتها لتتحدث في الهاتف بعيداً عن إزعاج أولادها فأزعجتنا بتفاصيل مكالمتها.. وأخرى ترفع صوتها ليلا ونهارا لتنادي خادمتها أو تعنف أطفالها وآخر يرفع صوت تلفزيونه ويشركنا في تشجيع ناديه بالصراخ والانفعال.. وغيرهم كثير مما يكشف سر إصابتنا بالضغط والسكري والعصبية.. فنعاشر الدواء ونحترم مواعيده أكثر مما نحترم مواعيد الأحبة خوفا من الأذى.. وثم نلقي باللائمة على طبيعة العصر والتطورات اللاهثة بكل جسارة بينما هي في حقيقة الأمر نتيجة طبيعية لابتعادنا عن وصايا الإسلام الواضحة في المسكن والمأكل وحقوق الناس..
فأنا الآن في قلب العصرنة واللهاث حيث تعتبر هذه البلاد في مقدمة الدول الصناعية الكبرى علينا أن نعيد التفكير في حياتنا وأساليبنا وتقييمها لنصل إلى هذه المرحلة من الراحة والسكينة.. وليبدأ كل منّا بنفسه..
فالله تعالى يقول: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ..)
◄ ختاما:
{ذهبت للغرب فوجدت إسلاماً و لم أجد مسلمين و لما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكن لم أجد إسلاماً} المفكر الشيخ محمد عبده عبارة قيلت في عام 1881أم آن الأوان لتغيير هذا الانطباع الذي يعكس الحال الذي وصلنا إليه؟؟