درس ما بعد التقاعد

Loading

من البرامج الواقعية التي أتابعها من حين إلى آخر برنامج القاضية جودي، الذي تقدمه جوديث شيندلين، المحامية والقاضية الأمريكية بعد تقاعدها عام 1996. ويتابع البرنامج – معي – في موسمه الحالي، أكثر من 10 ملايين مشاهد منتظم. ما يميز هذا البرنامج بخلاف عمره الطويل نسبياً شخصية مقدمته التي خلعت عن القاضي جموده لتخلع عليه صبغة إنسانية تشعرنا بأنه إنسان مثلنا من دم ولحم وليس من نصوص ومواد قانونية جامدة كجمود ملامح بعضهم.. فالقاضية جوديث شيندلين 1942 تمتاز بروح الدعابة وحس فكاهي يجعل من البرنامج الجاد في محتواه ممتعا كمادة تلفزيونية جديرة بالمشاهدة. ومن الأمور التي أرغب في التوقف عندها تجربتها الحياتية ما بعد التقاعد، حيث أسست عملا تحبه وتنجح فيه كسرا للسائد الذي يقرر أن التقاعد يعني الموت قاعدا!!!
وتشير جوديث شيندلين إلى ذلك في مؤتمر فوربس للمرأة لعام 2017: “كثير من الناس في بداية حياتهم المهنية يعلقون في وظائف لا يحبونها، كما حدث معي، إذا كنت تعمل في شيء لا تحبه بالفعل فعليك أن تجد شيئاً آخر تحبه؛ لأنه سيجعل حياتك مختلفة كلياً”.
وبالفعل غيّر هذا العمل التلفزيوني حياتها بحيث احتلت المرتبة رقم 48 في قائمة أغنى النساء العصاميات في الولايات المتحدة، بثروة تُقدر بنحو 400 مليون دولار.
جاءت هذه الثروة من عدة صفقات ذكية مبنيّة على وضوح الهدف ودقة التخطيط، منها بيع حقوق بث 5200 حلقة من برنامجها (القاضية جودي)، بالإضافة إلى الحلقات المستقبلية للبرنامج لشبكة CBS مقابل مبلغ يُقدر بـ 100 مليون دولار، مما ضاعف أجرها السنوي المعتاد بمقدار ثلاث مرات، إلى جانب راتب سنوي يقدر بنحو 47 مليون دولار لتقديمها برنامجها الأشهر: القاضية جودي.. حقيقة أجد هذه القصة ملهمة تستحق التوقف عندها.. فالنجاح في عمل تعشقه ألذ طعما من نجاحك في عمل معتاد فرضته عليك الظروف.. فالتحرر من قيود عمل معتاد للانطلاق في آفاق عمل تهواه وتجد نفسك فيه يتطلب جرأة قد لا يفهمها من حولك فيتهمونك بالجنون والإساءة إلى نفسك والمغامرة بمستقبلك.. لكن نجاحك في عمل ما تحبه لا يترك لك فرصة الالتفات لما يقولونه ويظنونه.. بل تمضي في طريقك مستمتعاً به..

ختاماً..
الحياة رحلة متعددة المحطات.. لابد من المرور بها وتطويع الظروف لجعلها أفضل حتى يوقفنا الموت… والموت وحده.