انغلاقة

Loading

يميل البعض للابتعاد عن الناس والانغلاق على نفسه ليعاني وحيدا؛ لأسباب عدة، أهمها الإحباط الذي يستجلب أفكارا سوداوية ورؤية ظلامية للأمور وتقلبات مزاجية غير مبررة؛ مما يفقدهم القدرة على التواصل مع الأحباب، لتتحول العزلة إلى جدار حديدي يضرب من حولهم فيفقدهم الإحساس بطعم الحياة ولذة الاتصال بالآخرين.
ومع استمرار اعتزال الأحبة، يتطاول ذلك الجدار البارد حتى يحجب شمس المحبة عنهم، فتذبل الأرواح على طرفيه، فيبدو الأمر  كنفق مظلم ممتد من الروح إلى الروح الحبيسة، فلا تصلها يد ولا حتى مجرد أمنية ودعاء.
المعتزل حين يغلق الأستار من حوله ويرمي بمفاتحه في غياهب الحزن، لا يعاني وحده، بل هي معاناة جماعية قصوى تكاد تفتك بالجميع، وكلما كنت الأقرب منه كنت أكثرهم تعبا وإنهاكا وذبولا.
وكم أتعحب من الإنسان الذي ولد وحيدا وسيموت وحيدا وسيبعث كذلك، إنه لا يقوى على المضي في حياته وحيدا؛ لأن المجتمع طبّعه بطبائعه ليكون اجتماعيا يأنس بالناس ويركن إليهم.
لهذا، فإن الاعتزال الذي يراه طه حسين استجابة للغريزة الوحشية التي لم يهذبها التساكن مرض لابد من علاجه؛ لأن الإنسان الصحيح لا يقوى على العيش بعيدا عن أحبته، فكيف به وقد اعتزلهم وهم يساكنونه ويقتسمون معه عيش الحياة وملحها.
لكن كيف يمكن إقناع المعتزلين بأنهم مرضى ولا بد من الخضوع للعلاج إنقاذا لحياتهم.
فالعزلة الطويلة تؤدي إلى الوفاة؛ لأنها تخالف حاجة الإنسان الفطرية للآخرين، كما أنها تُسبب أمراضا نفسية كالعنف والاكتئاب والقلق والاضطراب وأخرى اجتماعية كالفشل في الدراسة أو العمل أو الزواج، وغير ذلك من الأمور التي تأخذ المعتزل إلى متاهات لن ينقذه من ظلامها إلا الاعتصام بحبل الله والتعلق به، ولن تهوّن عليه المصائب إلا بمساندة قلوب اشتعلت كالشموع لتنير طريقه، فيخرج من نفق العزلة المظلم لتزدهر حياته وتشرق ابتسامه من جديد في سماء أحبته الذين طال ترقبهم لشتاء عزلته الطويل.
نسأل الله لنا ولأحبتنا السلامة من كل شر.

الخلاصة

راقبوا أحبابكم، فإذا لاحظتم ما يستوجب التدخل المبكر لإنقاذهم، فلا تترددوا حتى ولو وجدتم منهم صدا أو جفوة، فحيواتهم ثمينة جدا ولا بد من الحفاظ عليها مهما كلف الأمر.