طوى رمضان أسبوعه الأول لأنه زائر خفيف ولطيف..أيامه جميلة ولياليه أكثر جمالا.
ومن معجزات ديننا الحنيف انه بمجرد رؤية هلال رمضان تعاد برمجة الكون فتشعر بانك تتنفس هواء نقيا وتحمل بين أضلعك فرحا مستشريا في الأوردة يعيدك كطفل لا ذنب له..
ويمكن لذلك أن يحدث ان أحسنت لرمضان فيحسن الله إليك…
يهل هلال رمضان فنصبح صائمين ضمن ملايين المسلمين حول الأرض.. لكن السؤال: من أي نوع.. هو صيامنا؟
فهناك الصيام السهل الذي تمتنع فيه عن الطعام والشراب وغيرهما من الشهوات كعادة رتيبة لا روحانية فيها.
فما أن تفطر حتى تعاود تلك الشهوات إلى حد التخمة..
من يصوم هذا النوع من الصيام قد تجده لا يصلي.
ولا تتعجب أن شاهدته يفطر على السجائر..ولا يتوقف قلبك حين يرد عليك أن التراويح مجرد سنة لذلك هو لا يصليها!
هؤلاء الصائمون ينامون النهار ويسهرون الليل ليمارسوا كل ما يلوث هذا الزمن الشريف من لهو غير شريف تندرج تحته مشاهدة المسلسلات الحافلة بالموبقات وحلقات لعب الورق وتفضيل الخيم الرمضانية العابقة بالشيشة على محاضرة دينية تذكر ان نفعت الذكرى.
صائم الصيام السهل لا يكلف نفسه البحث في مقاصد الصيام وفهم أهداف تشريعه والنتائج المذهلة له لو التزم بالصيام الحقيقي الذي اسميه الصيام الصعب لقلة مريديه..
يصفه جابر بن عبد الله رضي الله عنه في فضائل الأوقات للبيهقي بهذه الكلمات:
” إذا صُمت فليصم سمعك، وبصرك، ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء “.
فالغاية العظمى من الصيام هي التطهر من أدران الدنيا التي تلحق بك طوال الوقت شئت أم أبيت..
فمن أهداف الصيام التخلص من العادات السيئة لأن ثلاثين يوما كفيلة باعادة صياغة العادات وتغييرها للأفضل.
فالصوم لم يشرع من أجل ترك الطعام والشراب فلا حاجة لله عز وجل لتجويعنا وانما شرع الصيام لتطهيرنا حتى ننال استحقاق دخول الجنة من غير حساب ولا سابقة عذاب.
وفي ذلك يقول الرسول:”من لم يدع قول الزُّور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه”
البخاري
وفي رأيي أن أهم ما تصوم عنه ايها الانسان هو لحم أخيك.. فلا تأكله بالغيبة ولا تذبحه بالنميمة وغيرهما من أمراض اللسان التي توردك موارد التهلكة.
فالصيام هو ضبط تام للجوارح لعلك تخرج منه وأنت متطهر ومسيطر على تلك الجوارح فتعيش عيشة هنية..وتعكس صورة ناصعة عن المسلم الحق.
انه الصيام الصعب فمن يقواه ليستحق دخول الجنة من باب الريان..
يقول شاعر مبدع:
تصوم عن الطعام وليس يكفي
فـمـا الـتـقوى بـتـركك لـلـطعامِ
وأطـلـقت الـجوارح مـنك حـتى
لـتـفسد كــل صـومـك بـالكلامِ
وتـمضغ في لحوم الناس جهراً
فـمـا تـجنيه مـن ذاك الـصيامِ؟
ويطرح سؤالا مهما ينبغي التفكير فيه مليا وطويلا.
ما الذي نجنيه من الصيام؟؟
واجابتك عليه اخي واختي الكريمة هي التي تحدد نوعية صيامك.. فتوخوا الحذر من أن يكون صيامكم صياما سهلا.
الخلاصة:
إذا لم يكن في السمع مني تصاون
وفي بصري غض وفي منطقي صمتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ
وإن قلت إني صمت يوما فما صمتُ