في حضرة التاريخ

Loading

كشجرة زيتون مباركة.. أو نخلة باسقة، أطل علينا المجاهد الجزائري الشيخ عبدالله منصور الذي استضافنا في بيت جبلي أقامه بيديه العاريتين وأحاطه بحقل الزيتون المطعم بالكثير من الخيرات في إصرار كريم أن يخدم بلده في الحرب والسلام.
فهذا الشيخ الأبي يعكس صورة الجزائر الحر الذي رفض الاستعمار ونظم الثورات واحدة تلو الأخرى ليستعيد بلدا حباه الله بالنعم الوافرة، فاستمات المستعمر الفرنسي في القتال من أجله حتى خضع صاغرا وخرج متحسرا في أوائل ستينيات القرن الماضي.
أخذنا المجاهد الأبي في رحلة عبر التاريخ، فكنا في حضرته نتنفس مبادئ الثورات العظيمة والقيم الكريمة التي قامت عليها، كالاتحاد في وجه العدو دون النظر إلى الفوارق مهما كانت.. والعدالة الاجتماعية التي نشرها الثوار بين أفراد المجتمع، ليلتف حول ثورته ويحميها لتنتصر بالإرادة الجماعية.
سجن الشيخ المجاهد في مراهقته إثر عملية فدائية وعذب، لكن ذلك لم يثن عزمه ولم يفت عضده، بل زاده قوة وإصرارا ساعداه على الهرب من السجن، بعد أن أوقع أحد جلاديه قتيلا في شجاعة منقطعة النظير توجعنا مقارنتها مع مراهقي الألفية.
سألته عن سر نجاح الثورة الجزائرية التي انطلقت في الأول من نوفمبر وسميت فيما بعد بجبهة التحرير التي فاوضت المستعمر واسترجعت الجزائر من كماشته.
فأخبرني أنهم أذابوا الفوارق وأحسنوا التنظيم واتحدوا على قلب رجل واحد حر أبي رفض ذل الاستعمار واستغلاله البلاد والعباد.. ونجحوا في جعل الشعب كذلك مما حمى الثورة وأنفذها.
وأكد أن الخروج من الكوارث التي حلت بالوطن العربي وتكابدها الشعوب الآن لن تنجلي غمتها إلا بالعودة إلى الدين وتوحيد الهدف وإشعال فتيل الإرادة الحرة من أجل غد أفضل وعيش أكرم.
ويتساءل كيف لا تعي الدول المنكوبة حقيقة الأطماع فتتحد في وجه أعدائها، بدلا من الاقتتال على كراسي السلطة الزائلة؟
وفي حديث يفيض بحنين الذكريات والثقافة الواضحة في مفرداته، يسترسل المجاهد في أمنياته بأن يعي الشباب خطورة ما يجري فيهجروا قشور الحياة الي أولوياتها، قائلا: نجحت الثورات العربية في إخراج مستعمرين أقاموا على أراضيها وسلبوا خيراتها وحبسوا شعوبها في مثلث الفقر والجهل والمرض، فعادوا بوجه آخر وغزو أشد هو الغزو الثقافي الذي عمل على سلخ الشباب عن حضارتهم العريقة ليقلدوا الغرب ويتبعوا نهجه.
حديث طويل ذو شجون لم أرد له أن ينتهي لأهميته، خاصة بالنسبة لي وقد ولدت ما بين انتصار الثورات والاستقلال وضعف الوطن العربي وانهزاميته.
إلا أنه انتهى ليعود الشيخ السبعيني بهمة الشباب الوثابة وروح الإخلاص التي تطل عبر عينه الزرقاء زرقة المتوسط المهيب ليعمل في حقله مصرا على خدمة وطنه حتى آخر رمق.
ولم يفته شكرنا على اهتمامنا بثورة الجزائر المباركة ودور المجاهدين في المحافظة على هذا البلد الجميل حفظهما الله ورعاهما.

الخلاصة:
إذا الشّعْبُ يَوْمَاً أرَادَ الْحَيَـاةَ       فَلا بُدَّ أنْ  يَسْتَجِيبَ القَـدَر

وَلا بُـدَّ لِلَّيـْلِ أنْ يَنْجَلِــي            وَلا بُدَّ للقَيْدِ أَنْ يَـنْكَسِـر

وَمَنْ لَمْ يُعَانِقْهُ شَوْقُ الْحَيَـاةِ       تَبَخَّـرَ في جَوِّهَـا وَانْدَثَـر