في كل مرة ينتقل فيها فنان إلى رحاب الآخرة تحتدم المعارك بين المتشددين الذين يطردونه من رحمة الله وينهون الناس عن الدعاء له!! والوسطيين الذين اعتدلوا في رؤيتهم، فلمسوا في الفنان إنسانيته، وقدروا آثاره الطيبة، دون التوقف عند دينه أو مذهبه أو معصيته.
والأهم من ذلك كله أنهم استشعروا رحمة الله التي وسعت كل شيء، فضجوا بالدعاء طمعاً فيها لمن كان سبباً مباشراً في ضحكهم وإمتاعهم لأكثر من خمسين عاماً، خاصة أنه لم ينشغل يوماً بالتفرقة والمذهبية.
والملاحظ أن تلك المساجلات تنتهي بانتهاء أيام العزاء، تاركة الوضع على ما هو عليه، ليبقى المتشدد حانقاً والمعتدل مرتاحاً.
رغم أن الموضوع يحتاج إلى حسم، فليس من المقبول النهي عن الدعاء للميت المسلم، والتدخل في المشيئة الإلهية، من خلال تصنيفه ووصمه بالكفر والعصيان، بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف احتراماً لجنازة «يهودي»!!
حقيقة لا أدري متى يفهم المتشددون أن الناس سواسية، والله سبحانه وتعالى وحده الذي يحاسبهم ويقضي بمصائرهم في الآخرة!!
متى يعلمون أنه لا كهنوت في الإسلام، وأن العلم الشرعي لا يمنح صاحبه رخصة لتحديد مصائر الناس بعد موتهم.
فلا يعلم ذلك إلا الله، ومعاييره سبحانه وتعالى أكثر رحابة وسعة من معايير المخلوق القاصر، ألم يُدخل بغياً الجنة من أجل قطة سقتها؟ ألم يخبرنا رسولنا الكريم أننا سندخل الجنة برحمة الله لا بأعمالنا؟ ألم يوصنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن نقول خيراً أو نصمت؟
فأين الخير في خطاب بغيض يدعو للتوقف عن الدعاء لمسلم مسالم، تم تصنيفه بأنه رافضي، رغم أنه لم يتحدث يوماً بذلك، أو يدافع عن ذلك!
ألم يكن أولى بالمتشدد أن يوجه خطابه هذا لحكومة بلده، فينهاها عن استقبال أقطاب المجرمين، ودعم الحشد الشعبي الذي عاث في أراضي أهل السنة قتلاً وتطهيراً، فتلك هي المعركة الحقيقية.. وماعدا ذلك فهي اجتهادات يفضل أن يحتفظ بها المتشدد لنفسه، لأننا لسنا بحاجة لتأجيج الكراهية والعنصرية بين الناس.
ولأن الإسلام دين المعاملة، أما العبادة فهي لله وحده، لذلك هي سر بين العبد وربه، لا تبدِ فيها رأياً ولا تعطِ أمراً.. دع الخلق للخالق، وانشغل بنفسك، هذبها وروضها على اللين ونشر المحبة والتراحم بين الناس.. فذلك هو دورك الحقيقي، واعلم أن الناس لا تأخذ أمور دينها عن المتشددين.
إن الله -عز وجل- خاطب الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كتابه العزيز عن ذلك فقال:
«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ.. « (آل عمران: 159). فهل لنت قليلاً؟؟