رمضاننا.. غير

Loading

أنا مؤمنة جداً بأن الشهر فترة زمنية كافيّة لاكتساب العادات الطيّبة وتغيير العادات السيئة، لذلك أجد أن رمضان بأيامه الثلاثين المباركة فرصة ذهبية لكل مسلم صادق مع ربه، ثم مع نفسه، ويرغب حقاً في تجويد حياته، فما عليه حينها إلا أن يعقد النيّة ويتخذ قراراً واعياً بالتغيير.
ومن المهم أيضاً أن يكون واقعياً فيختار عادة واحدة للتخلص منها يركز عليها حواسه، ومن خلال العزم والجهد والاستمرارية سيفعل بإذن الله.
وفي رأيي أن أهم العادات التي يجب التخلص منها هي أمراض اللسان، فهي مهلكة وتجتث الحسنات اجتثاثاً، وتفلس المسلم إفلاساً، لا ينفع معها صوم ولا صلاة.
والنهي الرباني معلوم لدى الجميع، نظراً للصورة البشعة التي صورها القرآن الكريم لمن يغتاب أخيه، فيكون كمن يأكل لحمه ميتاً.
كما أن الأحاديث النبوية في هذا الأمر كثيرة، وفي قمة الفصاحة والبيان، وإليكم واحداً منها أعتبره جامعاً مانعاً.. يمكننا تزيين غرف الأطفال وصفوف المدارس به، ليكون دستور حياتهم وخريطة طريقهم.
فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّة، وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ؛ قَالَ: «لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ تَلَا: [تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ] حَتَّى بَلَغَ: [يَعْمَلُونَ]»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟»، قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ قَالَ: «رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ»، ثُمَّ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: «كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ- أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» ؛ رواه أحمد: 5 / 231.
وتصوّروا -أحبتي- أن ملاك ذلك كله (أي ما سبق ذكره من عبادات على قدر عظيم من الأهمية) أن تمسك لسانك فقط، فتعالجه من أمراضه التي انتشرت حتى طغت وظلمت ودمرت.
ومن أسوأ تلك الأمراض الغيبة التي يصفها أحد الحكماء بأنها: فاكهة الكفار، وضيافة الفُسَّاق، ومراتع النساء، وطعام كلاب النار.
إلا إنها ليست المرض الوحيد، فالحسن البصري -رحمه الله- يفسر أمراض اللسان كلها فيقول: إنها ذكر الغير بما يكره: الغيبة، والبهتان، والإفك، وكلٌّ في كتاب الله عز وجل،
فالغِيبة: أن تقول ما فيه، والبهتان: أن تقول ما ليس فيه، والإفك: أن تقول ما بلغك عنه، أضف إلى ذلك الشتم، وهو ذكر المساوئ في مواجهة المقول فيه..
وحقيقة لا أدري كيف يمكن أن تكون مسلماً حقيقياً وتقبل أن تكون مغتاباً نماماً شتاماً، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده».
والآن وبعدما تقدم أعلاه -أحبتي الكرام- هل نعقد العزم على مداواة ألسنتنا من أمراضها، ونضرب العيد موعداً للخلاص من آفاتها بإشغالها بالذكر الدائم، وهو أعظم أجراً من العبادات قاطبة.
قال تعالى: «وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون» (العنكبوت).
فلو اشتغلنا على حفظ أذكار المسلم ليله ونهاره لفزنا بأجر التخلص من أمراض اللسان لوجه الله -عز وجل-، وكسبنا أجوراً مضاعفة لحفظنا الأذكار، لتكون زاداً على مرّ الأيام والسنين، وهي الحصن الحصين الذي يحمي الإنسان من الشيطان وأتباعه بفضل الله..
أتمنى فعلاً أن نفعل ليكن رمضاننا غير، ويحقق الأهداف الحقيقية من فرض الصيام..
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال والأقوال.