فضّل الله رمضان على باقي الشهور، وفضّل العشر الأواخر على باقي أيامه، وتوّج بالتفضيل ليلة القدر التي نزل فيها القرآن على سيد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام. وتتجلى عظمة الشهر الكريم بخيراته وعطاء ربك ذي الجلال والإكرام في الأجر العظيم الذي اختص الله -عز وجل- به ليلة القدر دون غيرها من الليالي والأيام. والمسلم الفطن هو من ادخر وقته وطاقته ليصوم نهاره ويقوم ليله تهجداً وترقباً لتلك الليلة المباركة، بلّغنا الله وإياكم توفيقها وبركاتها. وأجد الاعتكاف صورة من صور التوفيق لهذا الأجر، حيث ينقطع المسلم عن الدنيا التي لطالما شغلته بعظائم الأمور وتوافهها على حد سواء.. لاجئاً إلى الله وحده، باحثاً عن رضاه وتحقيقاً لأوامره، وليس الاعتكاف هو القربة الوحيدة، بل كل الطاعات قربات. وستلاحظ نفسك وقد وجّهك خالقك نحو عبادة معينة تكثر منها حد الإتقان كالصدقة أو الاستغفار أو العون والمساعدة وغيرها من العبادات التي ستحصد لك أجراً وقبولاً عند الله جل وعلا. فلا تتوانوا ولا تضعفوا بل جدوا واجتهدوا، فالعبرة بالخواتيم، وكل منّا سيعرف حصاده، من خلال سلوكياته في العشر الأواخر تحديداً. فمن استمر في سهر الليالي في اللهو، حتى ولو كان بريئاً، وأضاع أثمن الأوقات في التسوق، وقضى نهاره في النوم أو مطاردة الملهيات.. ليس كمن بذل الأوقات كلها في طاعة الله برجاء القبول والعفو والغفران…هل يستويان؟ أحبتي رمضان عائد ما دامت الدنيا وحتى قيام الساعة، ولكننا راحلون مهما بلغنا من العمر عتيّاً.. فلا بد من استثمار مواسم الطاعة فيما ينفعنا في الدنيا والآخرة، حيث لا ينفع مال ولا بنون.. وفقكم الله لما يحبه ويرضاه دائماً وأبداً. إضاءة تجري أحداث غزة متزامنة مع العشر الأواخر، وكأنها دعوة للتفكر في جدوى العيش وضآلة الدنيا بما فيها من جاه وسلطان. كما أنها دعوة أخرى للبذل والعطاء، لعل التبرع بالمال (وذلك أضعف الإيمان) يبرئ ذممنا مما يحدث على أرضها من عذاب مقيم. فلا تنسوا إخوانكم هناك واذكروهم بالدعاء والعطاء.