هي رفيقة الدرب.. هي نحن.. أنا وأنت والآخرون. يبثها الله عز وجل فينا ونحن في ظلمات الأرحام ضارباً لخروجها موعداً نهائياً لا يؤخر ساعة ولا يستقدم.
لتبدأ بموتها رحلة أخرى عبر الظلمات.. وإذا كانت أجهزة السونار قد اقتحمت خصوصية الجنين واخترقت ظلمات الأرحام لتتابع نموه وحالته الصحية، فإن العلم يقف عاجزاً أمام ظلمات القبر وما بعدها، ليقف الموت كبوابة ضخمة لآخر محطات اللقاء بأحباب رحلوا عنّا وبعضهم دون وداعٍ ليبقى في القلب شغف يتقد لرؤية الوجوه الحبيبة عبر حلم عابر يشفي غليل الشوق والحنين..
وقد أدرك ابن القيم الجوزية رضي الله عنه هذا الألم العميق واللوعة الحرّى، فوضع كتاباً يتناول عالم الروح بأسلوبه الأنيق والفريد، مستنداً على أدلة من القرآن الكريم والسنة والآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين والعلماء، الذين شغلتهم أسرار الروح في رحلتها الأخيرة إلى عالم البرزخ، مروراً بظلمة القبر وبرودة وحشته..
كتاب الروح يتناول موضوعات شتى تعتبر مثيرات للعقل وتحديات لقدراته التي تصطدم بتلك البوابة الباردة التي تحجب عالماً غامضاً مغلفاً بالوجع والحنين الذي يقاوم السلوان فيغلبه..
أجد في كتاب الروح سلواناً تحتاجه نفوس وقلوب ذبحتها فجأة الفقد رغم إيمانها وصبرها على الفاجعة المزلزلة لأركان الروح قبل أركان البيت، حيث يحلل ابن القيم بالأدلة والبراهين والحجة العقلية بعض الموضوعات كسماع الموتى، وإخبار الأموات بأخبار أهلهم، تلاقي أرواح الموتى وتزاورهم، الرؤيا، عذاب القبر، مستقرّ الأرواح. وغيرها بكثير من المنطقيّة التي تحترم عقولنا وتقدّر مشاعرنا، ففنّد الخرافات وصحح المغالطات وأكدّ المعارف والحقائق بحكايات متوارثة عن السلف بعضهم عن بعض.
أنصح بقراءة الكتاب لمن يبحث عن سلوى وفائدة وقيمة لأوقاته، معملاً عقله وحاثاً نفسه على سبر أغواره، فقراءته متعة فكريّة إلا أن العلم يؤخذ ويرد إلا من الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى.. نسأل الله الهدى والتقى والعفاف والغنى.