الموت هو القدر الوحيد الذي يتقبله كثير من الناس على مضض، ويتمتمون عبارات العزاء بمرار الفقد الأليم، ويمضغون علقم الصبر كلما كان الفقيد مقرباً. وهذا لا يمنع الموت أبداً، بل يبقى الأكثر حضوراً والأقوى أثراً والأطوال ذكرى. الموت سلام للميت سقام للحي فالميت يذهب إلى الله -عز وجل- مستريحاً من هم الدنيا وثقل وطأة معاناتها. بينما الحي يتحمل فوق ذلك كله جرحاً غائراً في القلب لا يندمل أبداً.. وكلما كان الفقيد مقرباً تفتت القلب أكثر.. عزائي لكل فاقد وكلنا فاقدون دعائي لكل ميت وكلنا ميتون فهل من متعظ؟؟ لا يخيّل لي ذلك، فالطغاة سادرون في غيهم يعيثون في الأرض فساداً.. والحكام غارقون في متعهم، بينما شعوبهم تموت جوعاً، والبطانة الضالة لا تتورع عن ظلم الحاكم والمحكوم، والمسؤول يقصّر في واجبه وقد غلبه الغرور والتكبر من تأثير مسماه أو منصبه.. وفي أحوال السوء يقصر في ميزانيته بالسرقة والاختلاس وغيرها.. والموظف بتسيبه ونكوصه واستغلاله وحرصه على راتبه أكثر من حرصه على المال العام الذي هو ماله أيضاً.. والأب.. وما أدراك ما الأب بتغيبه عن بيته وإهماله واجباته، وأهمها تربية ورعاية أولاده!! والأم حين يشغلها أمر تافه عن أمر عظيم فتنشغل بدنيا المظاهر وتنسى جوهر الأخرة!! والولد حين يخذل والديه والبنت حين تخونهما!! هل يفكر كل هؤلاء في أن الموت نقطة آخر السطر؟؟ وأن الحياة فانية والميعاد أمام رب العباد صعب للغاية؟! هل فكر مطلق ضيّع أولاده من أجل نزوة؟؟ وتركهم للدنيا تربيهم بألم صفعاتها؟ هل فكر معلم أو طبيب أو مهندس غشّ في عطائه وقصّر في أدائه فظلم الناس وسلبهم حقوقهم؟ هل فكر مخرج سوء أو ممثل أسوأ في الفتنة التي يروجانها من خلال أعمالهم لتذهل العقول والقلوب عن طاعة الله؟ لا أعتقد، فالنمط المتكرر يوحي بأن ذاكرة الناس أقصر من أيام العزاء، ليعودوا بعدها لممارسة الخطايا السبع بكل ثقة وفخر؟ ويحهم كيف أمنوا مكر الله؟! وهل يأمن مكر الله إلا القوم الظالمون؟ وهم كذلك ظلموا أنفسهم والآخرين.. غفر الله لنا وإياهم إضاءة اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين، وارحمنا فوق الأرض وتحت الأرض، واسترنا يوم العرض.