حينما يعزم الإنسان على السفر تعتمل في نفسه خواطر كثيرة خلال الرحلة من مبتداها حتى منتهاها… وهذه بعض خواطري التي أحببت أن أشارككم فيها..
(1) نسافر أحياناً في رحلات قصيرة هنا وهناك للعمل أو الترفيه، ومما ألحظه عند إعداد حقيبة السفر أننا نكدس أغراضاً كثيرة قد لا نحتاجها، ولكننا نأخذها معنا على أية حال!! إنه الإنسان حين انشغل بالدنيا وغفل عن الرحلة الكبيرة والأخيرة.. فمعظمنا يخاف حتى مجرد التفكير فيها رغم عظمتها ومصيريتها!! أتساءل دائماً: ماذا أعددنا من زاد للرحيل الكبير؟ طوبى لمن فطن لذلك وحشد قلبه وعقله بكل ما يستطيع ليعينه على وحشة الطريق وغياب الرفيق.. أعتقد أنه يجب علينا أن نجاهد أنفسنا ونوطّنها على ذلك.. فهذه رحلة تختلف عن غيرها، لأن موعدها غير معلن لكنه آت لا ريب فيه..
(2) حينما تبدأ الطائرة في الإقلاع أو الهبوط أو تعترضها مطبات هوائية تتجه الروح إلى خالقها بالدعاء والاستغفار.. إنه الخوف والرجاء مؤمنين بالموت خائفين من الألم لا أكثر.. لكني لا أدري ما هو شعور تارك الصلاة أو شارب الخمر من المسافرين حينها وكيف هي حالته في مواجهة احتمالية الموت على معصية أو المجاهرة بالكبيرة.. اللهم ارحمنا واعف عنّا.. واهدهم سواء السبيل.
(3) تعلو الطائرة فتضمحل مشاهد الأرض رويداً رويداً.. يلفت نظري الجمال الذي تبدو عليه!! تنظر إلى مدن تعرفها جيداً من أعلى فترى أنها أجمل وأبهى.. ربما لأن الصورة من هناك إجمالية تغيب عنها التفاصيل الصغيرة التي قد تشوه المنظر على الأرض.. هذه الصور الإجمالية الرائعة الماتعة تدعونا لنرتقي فوق الخلافات الصغيرة، وننظر إلى الجمال والإيجابية في حياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين..
(4) في السفر يتجلى الوداع بألمه والاستقبال بدفئه تغمض عينيك على وجوه الأحبة بشدّة لعلها تؤنسك وتخفف عنك وحشة السفر.. أو ربما كانت المرة الأخيرة فتزودت روحك من حلاوة تقاطيعهم المحببة. اللهم لا تحرمنا منهم، واجعل لقاءنا بك أجمل اللقاءات وأطيبها برحمتك يا أرحم الراحمين.
كل تلك الخواطر طافت بخلدي وأنا أسافر بين كل حين وآخر عشقاً للسفر ولما أجده خلف بوابات المطار المقصود من حياة وبهجة تشجعني على معاودة السفر مرات ومرات… إضاءة وجوه تطوف بنا نودعها ونستقبل أخرى ولا يبقى إلا الذكرى.. فلنحرص على ترك أثر حسن في النفوس لأن هذا ما يبقى منا.