تأخذني الذكرى حين كنا طالبات إلى السبورة السوداء وقد خط عليها بالطبشور الأبيض تاريخ اليوم بحسب التقويمين الهجري والميلادي، وكيف كانت المعلمات الفضليات ينتهزن كل فرصة طيبة لغرس احترام التقويم الهجري وما يحتويه من تأريخ لأحداث جسام شكلت الحضارة الإسلامية التي عشنا ولا نزال تحت ظلها الوارف. إلا أننا نمر بمرحلة ضعف وتغريب بدأت يوم اختفى التاريخ الهجري من السبورة دون الانتباه له.. اختفى في غفلة منّا ليحل محله التاريخ الميلادي تحت زعم أنه تقويم يوحد العالم! كما انزوت لغتنا العربية الخالدة لتتصدر اللغة الإنجليزية التي لم ينزل الله بها من سلطان! بل الأدهى والأمر أن تقييمك كشخص بات مقترنا بانسلاخك عن لغتك الأم بتلك اللغة العالمية. والأسوأ من ذلك أنك قد تحرم من التوظيف رغم كل مميزاتك بسبب أنك لا تتقن اللغة الإنجليزية تحدثا وكتابة حتى صرنا غرباء في أوطاننا أو كأننا تحت استعمار جديد يفرض علينا التفرنج في عقر دارنا! أعتقد ونحن نحتفي بالسنة الهجرية الجديدة أننا نحتاج لوقفة جادة مع الذات ومراجعة بعض الأمور التي ساهمت في تغريب أجيالنا الناشئة حتى أصبحت هجينا في لغتها ولباسها وسلوكياتها. فالحضارة الإسلامية قامت على الاقتباس لا التقليد.. على الإبداع لا النسخ، ولهذا فقط سادت العالم قرونا قبل أن يندحر المسلمون أمام جيوش المستعمر. والآن يندحر حفدتهم أمام استعمار جديد يستهدف قيمهم ومبادئهم ونمط حياتهم ويبدو أنه نجح في ذلك لسهولة التقليد وإمكانية التأثر نتيجة ضعف التربية وغياب القدوة الحسنة. لن آتي بجديد حين أقول كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.. فماذا أنتم فاعلون؟ هل أعددت نفسك أيها المسؤول -في كل مكان في المجتمع- للسؤال العظيم في الموقف العظيم؟! حين تسأل عن أمانة التربية والرعاية والتنشئة وغيرها من عمليات صناعة أجيال مسلمة قادرة على التميز وسط عالم ينهار أخلاقيا ويتوحش كلما تقادم به الزمان؟! إننا بحاجة لاستعادة اعتزازنا بأنفسنا كمسلمين ومن ابتغى العزة بغير الإسلام فقد ذل. فتعالوا نبادر حكومة وشعبا باتخاذ أولى الخطوات وهي اعتماد التقويم الهجري جنبا إلى جنب التقويم الميلادي.. ولم لا نفعل؟! قد يراها البعض خطوة شكلية وأراها خطوة على طريق العودة إلى أمجادنا كمسلمين نعتز بديننا وكل ما يمثله من حضارة وتقدم. فهل نفعل؟! أرجو ذلك.