احتضار

Loading

تقف أمام مريض يحتضر ولا تملك سوى التضرع لله أن يجعل فيض الاحتضار مريحاً رغم تعارض المفردات وتضاد المعنى. إلا أنك في حالة ضعف مزرية، وقد أسقط في أيدي الأطباء وصرت في مواجهة الموت الذي يفترس عزيزاً لديك عضواً عضواً في ساعات حاسمة من عمر إنسان عشت تفاصيل حياته وعشته قريباً، وتقاطعت عروقك مع عروقه وانضممتما تحت اسم واحد.. كفى بالموت واعظاً ومرشداً إلى ضآلة الدنيا بما تحتويه من متع ونعم وبهرجة!! الاحتضار درس بليغ يجعلك تنخرط في العزاء قبل إعلان الوفاة ودفن الميت المغفور له بإذن الله صمت القبور يلف غرفة المريض رغم أنين الأجهزة!! ونشيج المحزونين يعلو ليشق عباءة الصمت ثم يعود ليرتقها من خلال زيارة طبيب، ربما يحمل خيراً يقلب معادلة الاحتضار!! عجباً وهل ينجو محتضر توقفت أجهزته واحداً تلو الآخر لتفيض الدماء معلنة عجز الدورة الدموية عن أداء عملها الروتيني!! هي أنفاس تخرج وتعود حتى يأذن خالق الروح بخروجها، وله في ذلك حكمة ومشيئة فهو الملك المتصرف وحده سبحانه جل وعلا.. إلا أنه سراب الأمل يزين الواقع البائس.. في إجراء روتيني يوقع الطبيب في سجل المتابعة ويخاطب الواجمين قائلاً: ادعوا لمريضكم فلم نعد نستطيع فعل أي شيء.. هي ساعات ويغادركم حين يأذن الله وحده.. فيعود نشيج ليعلو من جديد.. أتساءل: أين الإيمان بالقدر؟؟ أين التسليم بالقضاء؟؟ أين حسن الظن بالله؟؟ ليقطعوا دابر أحاديث جانبية أستشعر فيها ضعف الإيمان والعقل أيضاً! أين تلك المشاعر الإيمانية الصادقة إذا لم تتجلَ هنا في هذا الزمان والمكان، وينقطع حواري الداخلي بسؤال يدحرجه صوت راجف واجف: هل يتألم المحتضر؟ فأجبته وأنا أحشد كل معلوماتي: لا أدري. ما أعرفه أن المسلم يجازى بالحسنات على غزة الشوكة فكيف بالاحتضار؟! طهور إن شاء الله.. وكفارة بإذن الله. فكل ما يلاقيه المسلم من عناء وشظف وبلاء هو كفارة واجبة وتطهير للروح قبل ارتقائها.. لخالقها الذي يحبها ويرأف بها أكثر من الأم الرؤوم.. غفر الله لموتى المسلمين ومن على إثرهم إلى يوم الدين.