عن جورجيا.. أحدثكم

Loading

قررت هذا الصيف أن أختار مكاناً جديداً لتمضية إجازتي فوقع الاختيار على جورجيا-لؤلؤة البحر الأسود كما يسمونها، خاصة أن للخطوط القطرية خطاً مباشراً لعاصمتها تفليس وهو الاسم العربي لتبليسي، التي حكمها المسلمون ألف عام وأكثر. ويمكنك ملاحظة بعض المفردات العربية التي تتسلل عبر لغتهم التي تشبه في صوتها لغة الترك والروس والألمان. وفي حقيقة الأمر لم يكن الخط خطاً مباشراً، حيث تهبط الطائرة ذهاباً وإياباً في العاصمة الأذربيجانية باكو!! وصلت جورجيا عصراً لأتمكن من مصافحة المدينة بوضوح ورؤية تفاصيلها التي سأعيشها الأيام التالية. كان مطارها صغيراً كأنه صالة الامتياز في مطارنا لكنه فعال جداً، فلم أتأخر في المطار إلا أنني فوجئت حينما أردت سحب بعض النقود من جهاز الصرافة بأن كل بطاقاتي لا تعمل! والحمدلله أنني كنت أحمل بعض النقود فحولتها لعملتهم المحلية. لأنني اكتشفت حينما تواصلت مع البنك أن جورجيا مصنفة ضمن الدول الخطيرة في استخدام البطاقات البنكية، حيث تكون عرضة للسطو والسرقات بمجرد استخدامها، فطلبت من البنك فتح بطاقتي على مسؤوليتي الشخصية وفعل .. لتبدأ الرحلة التي أستطيع تصنيفها من ضمن أفضل رحلاتي عبر بلاد الله. تفليس العاصمة قديمة لكنها تتجمل لتنقسم بذلك إلى البلدة القديمة ويمثلها شارع شارديني بكل حيويته ونبضه وتراثه على ضفاف نهر كورا. والقسم الأحداث يمثله شارع مورجان وهو شارع تركي أنيق في تقسيمه وبناياته ونظافته. ليأتي شارع روزفالي ليمثل المنطقة المركزية للعاصمة وهي ميزة أحبها في المدن الأوروبية إلا أن روزفالي يبدو شاحباً بينها وإن تزين بساحة الحرية الواسعة والأنيقة بالمباني التي تحيط بها. أحببت المربع الأوروبي الممتد على ضفاف كورا، وهو منتزه جميل متنوع جداً في تصميماته وأفكاره. أحببت الجبال التي تحتضن المدينة وتزيدها جمالاً، وتضيف إلى غنى تضاريسها. أحببت البحيرات المتناثرة وخاصة بحيرة أنانوري؛ لأنها تأخذنا عبر الريف الغني بمفرداته. لا نتقل عبر القطار الذي أحب السفر فيه؛ لأنه يفتح أمامي ألبوما زاهياً لطبيعة البلد التي أزورها، ويا لها من طبيعة تتميز بها جورجيا. فمن الجبال الممتدة إلى الأنهار المتشعبة إلى السهول الشاسعة لأصل إلى أطول ساحل شاهدته بأم عيني إلى باتومي. وهي مدينة جميلة تقع على تخوم تركيا وتجاور إحدى جميلاتها …ترابزون. باتومي مدينة تلهث نحو الحداثة، فأشعر كأنني تركت الماضي في تفليس/ تبليسي لألحق بالحاضر هنا. لباتومي كورنيش جميل يسمونه بوليفارد يمكنك أن تشهد نبض الحياة من خلاله. أعيب عليه الشاطئ المفتوح حيث لا يبقى إلا ورقة التوت! في باتومي أعجبني انحيازها للتفرد في مبانيها، حيث تعكس التقاء حضارات العالم على أرضها التي لا تتجاوز السبعة كيلوات! إلا أنها عاصمة جميلة لإقليم أجمل يسمى أدجاريا.. في باتومي أعجبتني حديقة النباتات التي جمعت فيها نباتات العالم كله على جبل واحد. وشلال ريفها الجميل الذي ملأ أرضها سقياً رحمة فتجده متدفقاً عبر كيلوات عشر في تشكيل رائع. جورجيا بلد جميل خرج من عباءة الاتحاد السوفيتي فقيرا فدخل في ثورات وحروب آخرها كان في 2008. ولكنه يحاول النهوض من خلال عرض فرص استثمارية ضخمة أجد الأتراك والأذربيجان استفادوا منها بشكل أحزن الشعب الجورجي الذي يشعر بأن بلده معروض للبيع. كما أحزنني انتشار البطالة بين شبابها الجامعي. أعتقد أن السياحة قد تشكل دخلاً ذهبياً لجورجيا لو تم الاستثمار فيها بشكل يتناسب مع إمكاناتها هذا المذهلة. بقي أن أقول: إن تصنيفات فنادقها لا تعكس الصورة الصحيحة ففندق النجوم الأربع أقل من النجوم الثلاث وهكذا. ففي جورجيا أنصح بسكن الفنادق ذات الخمس نجوم بخلاف العواصم الأوروبية الأخرى، حيث تجد الفنادق الأقل تصنيفاً جديرة بالسكنى. فالحمدلله الذي فضلنا على كثير من خلقه من غير حول منا ولا قوة. إضاءة كانت رحلة جورجيا رحلة جميلة كدر صفوها استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي فأزهق طفولة شعبه. كدر الله صفوه وعجل بخلاص الشعب ونصره.