الجودة والإتقان.. الواقع والمأمول

Loading

جاء الإسلام كاملاً شاملاً لكل أمور الحياة، منظماً لمعيشة الإنسان في كافة جوانبها، في بيته، عمله، علاقاته وغيرها.. وأوصى في كل أوامره وتعليماته بالجودة والإتقان في شؤون الدين والدنيا.. إلا أن المتابع لأداء جهاتنا الحكومية في المجمل يجدها تفتقر لجودة الأداء وإتقان العمل كما ينبغي أن يكون، خاصة الجهات الخدمية منها والمعنية مباشرة بمعاملات الناس وتيسير أمور حياتهم. فحين تدخل إلى جهة خدمية تخرج منها -في الأغلب- كما دخلت، إن لم ييسر الله عز وجل لك أحد الموظفين الذين اتخذوا تقوى الله شعاراً لهم، واضعين نصب أعينهم الآية الكريمة: «وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ»، إذاً هي لجنة أعلى منزلة من كل لجان التقييم ومنظمات الآيزو -التي تتسابق على رضاها تلك الجهات- فيكون عملها توثيقياً وعلى الورق فقط، وإذا جئت إلى الواقع لم تجد جودة تستحق حتى شهادة الآيزو والجودة من أي درجة! وذلك لأن القائمين عليها نسوا الله وبحثوا عن مجد دنيوي زائف، دون الالتفات لمشاعر الناس الذين تتعطل أعمالهم بسبب التسيب واللامبالاة التي تتسم بها تلك الجهات، وسأصف مشهداً لا بد أنكم صادفتموه في إحدى تلك الوزارات أو المؤسسات أو الهيئات. يبدأ المشهد بدخولك تلك الجهة بكل ثقة في حقك بإجراء معاملتك بكل سهولة ويسر، فتلتقي موظفي خدمة الجمهور وملامح التيه والضياع على وجوههم، وبعد دقائق قد تطول أو تقصر -يتوقف ذلك على فراغة الموظف المطلوب ومزاجيته- التي ستتضح جلياً عند مقابلته، فإذا كان رائقاً انتقلت معاملتك للمستوى الذي يليه، وإن لم يكن كذلك توقفت عنده لترن في أذنك العبارة الشهيرة -مر علينا بكرة- وعليك أن تحمد ربك وتشكره أنك لست في حضرة النعمان ملك الحيرة ليأمر بقتلك إذا زرته في يومه المر!! الخاطر الذي يمر بي حينما أسمع العبارة الشهيرة هو: لو كان المسؤول في هذه الجهة يتقي الله ويبحث عن الإتقان والجودة ما تجرأ الموظف على ركن معاملتك على الرف وهو خالي اليدين إلا من صحيفة أو كوب قهوة أو هاتف ذكي -يلعلع- مذكراً بصحبة الشات! بل لو كان الموظف نفسه يؤمن بمبادئ الجودة المعلقة فوق رأسه -على الأقل- لترجمها على أرض الواقع. إننا نشكو بوناً شاسعاً بين الواقع والمأمول، بينما تركض بنا السنون نحو 2030، فهل سأل أحدكم نفسه -أيها الموظفون- إذا كنتم على مستوى طموحات القيادة التي رسمت طريقها بوضوح وتسير نحوه بثبات؟! أم إنكم حجر عثرة.. وواجهة سيئة يراها المستثمرون الذين يفدون على قطر متخيلين أنهم سيجدون مبادئ الرؤية الوطنية مترجمة على أرض الواقع فيصطدمون به، بدون أدنى مبالغة! فتحية وتقدير لموظف راقب الله عز وجل فأجاد عمله.. ولا عزاء لغيره ممن اهتم برضا السلطان ونسي ما نزل به القرآن! إضاءة المواطنة الحقيقية تفرض علينا أن نكون جنوداً في خدمة الوطن، وعلى كل منا أن يحمي الثغر الذي وكل به دون الحاجة إلى رقيب، فالله عز وجل نعم المولى ونعم الرقيب.