تتربع كاتدرائية دوم وسط مدينة كولون الألمانية شاهدة على عظمة الأنسان، الذي يخلّد وجوده بآثار عظيمة لا يهزمها الزمان. كاتدرائية شاهقة ترتدي عباءة سوداء تحولها الأضاءة الليليّة إلى فضاء فضي مبهر.. أطل على هذا المبنى المهيب من شرفتي، وأسبح الله العظيم الذي علّم الأنسان ما لم يعلم. وأعجب من تحليق الغربان حول البرج الشرقي من الكاتدرائية. سرب من الغربان يدور حول البرج يومياً في موعد محدد، وينعق طوال الليل في مشهد يذكرني بأفلام الرعب التقليدية. ويدفعني للمقارنة بين هذا المبنى الوثني الذي يرمز للشرك بالله. وبين كعبتنا الوادعة رمز الأخلاص والتوحيد، حيث تطوف بها الحمائم مع الطائفين ليلاً ونهاراً تسبح الله عزّ وجل بهديلها الشجي. وأحمد الله جلّ وعلا حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه على نعمة الأسلام، فليس مثلها نعمة.. وأسأله الهداية للناس أجمعين. نعيب مطار فرانكفورت والعيب فينا.. قبل شدّ الرحال لكولون قمت ببحث حولها استعداداً للسفر، وتلك عادتي التي توفر علي الكثير من المال والجهد والوقت، فصادفت بعض المسافرين العائدين من فرانكفورت التي نعبر من خلالها لكولون يشكون الأمرّين من جمارك المطار الفرانكفورتي! وحين نزلت المطار وجدت رجال الجمارك متأهبين لاستقبال الخليجيين لتفتيش حقائبهم في حال وجود أي مخالفة، ولعل أبرزها عدم الأقرار بحمل عشرة آلاف يورو وما يزيد.. وبالفعل صادفت شخصياً تحقيقاً قصيراً ولكنّه اعتيادي بالنسبة للمطارات. فسّر لنا عربي يعمل هناك الأمر بأن الجمارك تصادف مشكلة مع الخليجيين الذي يحملون بعض الأشياء الممنوعة كالحليب والسجائر أو المبالغ الطائلة التي لا يقرون بوجودها ويكتشفها رجال الجمارك، لذلك وضعوا كل الخليجيين تحت الملاحظة!! فعرفت أننا نعيبهم والعيب فينا. إنني أنصح أي مسافر أن يقرأ عن قوانين وجهة سفره ويحترمها ليحظى بسفرة رائعة. المسجد التركي.. على قدم وساق تجري الاستعدادات لافتتاح مركز إسلامي ضخم وجميل تنشئه تركيا غول وأردوغان في قلب كولون، ليضيف إلى جمالها جمالاً ومهابة.. ويكون رمزاً للتوحيد مقابل رمزها المسيحي الشاهق. روعي في تصميم المسجد الجمال والحداثة والاستجابة لاحتياجات المسلمين الدينية والدنيوية، ليأتي كمفخرة لتركيا وسائر المسلمين، وشاهد مهيب على عظمة ديننا وسماحته التي غزت قلوب العالمين فسمحوا ببناء هذا الصرح العظيم، الذي أتوقع أن يتحول إلى مزار سياحي من مزارات كولون. الغريب للغريب ابن عم!! تصادف أثناء سياحتك عرباً من سائر الجنسيات فتشعر بالألفة وتنحسر عنك الغربة، لكن الكبر في نفوس بعضهم خاصة الخليجيين منهم يجعلك تردد الكبر لله وابن آدم صغير… القدماء قالوا: الغريب للغريب ابن عم، ولكن فيما يبدو أن الجفاء الاجتماعي موغل إلى درجة الترفع عن رد السلام، ولله في خلقه شؤون.