15 ريالاً

Loading

في البدء.. إنه من دواعي سروري مصادفة مقالي أول أيام عيد الفطر المبارك، لأصافح قلوباً صادقة ووجوها طيبّة صبيحة هذا اليوم السعيد، وأنشر في الأفق تهنئتي الخالصة لكل من صلى وصام وقضى الشهر المعظم في البحث عن رضا الله عزّ وجل والعتق من نيرانه. فكل عام وأنتم إلى الله أقرب أحبتي الكرام.. أعاد الله رمضان علينا وعليكم أعواماً عديدة، وتقبل منا ومنكم صالح الأعمال. أما بعد، ففي الأيام القليلة الماضية كثر اللغط حول زكاة الفطر التي قدّرها العلماء حفظهم الله وجزاهم عنّا خير الجزاء بـ 15 ريالاً. وكان الجدل يدور حول جواز إخراج زكاة الفطر نقداً بدلاً عن الطعام. لأن الأصل في زكاة الفطر أنه يجب إخراجها من الطعام، فقد فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً. كما ورد ذلك في عدة أحاديث منها على سبيل الذكر لا الحصر حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير». رواه البخاري ومسلم. ومع إيماني بوجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن إيماني بديني الذي جاء استجابة لحاجة الأنسان في كل زمان ومكان أشد.. لأنني أعلم بأن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام أوصانا بتلمس حاجة عصرنا وتكييف الأحكام بما يجعلها متفقة مع ظروفه، فلا تيسير مخل، ولا تعسير مضر، بل استجابة طيّبة من العلماء ورثة الأنبياء الذين اجتهدوا وقاسوا، فجاءت أحكامهم في زكاة الفطر على النحو التالي: الرأي الأول: أنه لا يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة. الرأي الثاني: أنه يجوز إخراجها نقداً، وهذا مذهب الحنفية، ووجه في مذهب الشافعي، ورواية في مذهب أحمد. الرأي الثالث: أنه يجوز إخراجها نقداً إذا اقتضت ذلك حاجة أو مصلحة، وهذا قول في مذهب الإمام أحمد، اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية. وقد استدل كل فريق من هؤلاء بأدلة تساند رأيه، وسبحان من جعل في اختلافهم رحمة.. وجعل ديننا دين رحمة يستجيب لحاجات الناس حتى قيام الساعة.. وتلك ميزة من مميزاته. فالنقود لها كلمة الفصل لقدرتها على توفير حاجة الفقراء والمساكين وفي مقدمتها الطعام. بينما الطعام سيتكدس ويتحول من حاجة إلى فائض، وهذا ما لا نريده. كما لا تخفى عليكم أحوال العرب والمسلمين الذين ينتظرون منّا المساعدة والدعم المالي الذي من شأنه توفير الطعام والعلاج والمأوى وهنا أتوقف عند نقطتين: الأولى: هل من اجتهاد يجعل قيمة الزكاة أكثر من 15 ريالاً؟ خاصة في ظل تفاقم الغلاء في بلدنا العزيز، والذي حوّل أحلام الفقراء إلى مستحيلات؟!! أما الثانية -وهي الأهم من وجهة نظري- فتتمثل في ضرورة استحداث قوانين تلزم المسلمين بدفع زكواتهم، ولا تترك الأمر كرغبة شخصية وخيار غير ملزم. أقترح على القائمين على سن القوانين في بلدنا وضع قانون يلزم الأغنياء تحديداً بدفع زكاتهم إلزاماً يعرضهم للعقوبة في حال التخلف عن ذلك.. لأن الزكاة ركن من أركان الأسلام يمس مباشرة توازن المجتمعات، وأمنها وتفعيلها سيساند الحكومات في القضاء على الفقر والمرض والبطالة. ولنا في أبي بكر رضي الله عنه أسوة حسنة، فقد حارب مانعي الزكاة في أول عهده بالخلافة، واعتبر مانعي الزكاة مرتدين عن الأسلام لهجرهم ركنا أصيلاً من أركانه. إنني أطالب ولاة أمرنا بإلزام التجّار الذين تدعمهم حكومتنا دعماً سخياً بإخراج زكاتهم، وأن تجبر الممتنعين على ذلك، وما أكثرهم!! فأنا على ثقة أنه لو حدث هذا سينتشر الخير والسلام وستختفي مظاهر الفقر والعوز كالتسول وغيره. كما ستخفّ الضغوط على الجهات الرسمية المعنية بمتابعة شؤون الفقراء والمحتاجين وستضيق الهوة بين الفقراء والأغنياء، وستجد الجمعيات والمؤسسات الخيرية رافداً متدفقاً يعينها على تحقيق أهدافها في جعل حياة الأنسان أيسر وأكثر إنسانية. فهل من استجابة؟! فالزكاة كما وصفها الله عزّ وجل: {.. حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} والحقوق لا بد أن تنتزع من مانعيها إن لم تأت منهم طواعية. فهذا وجه من وجوه العدالة الاجتماعية التي ينشدها الناس في كل مكان.