بدرية… والعسكر

Loading

ألغت جامعة قطر محاضرة الكاتبة د. بدرية البشر المقررة الأسبوع الماضي استجابة لتغريدات طلابها وطالباتها الذين نادوا بطردها، نظراً لأفكارها التي وصفوها بالخارجة عن النص وغير متوافقة مع المجتمع القطري!! والتي بحسب حكمهم لا تليق بالحرم الجامعي!! حدث ذلك بعد وصول الكاتبة وفي نفس يوم المحاضرة!! حدث في جامعة قطر التي تعد أجيالاً قادرة على معايشة عالم متغيّر.. وأجزم بأن قسم اللغة العربية فيها ما زال يقدّم أدب نجيب محفوظ بكل ما فيه نموذجاً للأدب المعاصر.. حدث في قطر التي رفعت شعار حرية التعبير وتقبّل اختلاف ا?خر وعدم مصادرة فكره، بل مناقشته وطرحه للمناظرة.. قطر التي تحتضن قناة الجزيرة التي تقدّم الرأي والرأي ا?خر بكل أريحيّة!! قطر التي تقيم مؤتمر ا?ديان وتحاور من خلاله كافة الملل والنحل.. قطر التي تعرض كل نتاج الفكر باختلاف الأدباء والمفكرين على ألا يسيء للأديان أو يخدش الحياء العام.. في معرض الدوحة للكتاب.. قطر التي تبنت المناظرات كأسلوب راقٍ يعبر عن الثقة في النفس والاعتزاز بقوة الفكر وامتلاك أدوات الحوار المجدي.. فمن كان صاحب فكرة المحاضرة؟ ومن اقترح اسم المحاضرة؟ وفي أي إطار أدرجت؟! ومن الذي سيتحمّل تكلفة رحلة الكاتبة وإقامتها؟! ألا يشكل إلغاء محاضرتها في الوقت الضائع هدراً للمال العام؟! فمن المسؤول عن هذا الموقف الذي أراه مسيئاً لقطر التي تعيش انفتاحاً فكرياً وثقافياً وحضارياً؟! إن اعتماد عسكر الجامعة -عفواً- طلّابها وطالباتها على نماذج من كتب وروايات الكاتبة يعتبر اجتزاء للنص على نحو {لا تقربوا الصلاة}، بينما لو قرأت ضمن السياق ربما تجدها تعرض صوراً واقعيّة عن المجتمع ولا تختلف كثيراً عن الطرح الذي تتحفنا به كاتبة الدراما القطرية كل رمضان!! فهل سيغرد المغردون هذا العام لإيقاف الدراما المسيئة لرمضان؟! هل أصبحت جامعتنا جامعة دينية لا تليق بحرمها المحاضرات الأدبية والروايات؟! علماً أن موضوع المحاضرة لم يكن نقاشاً لفكر الكاتبة!! قد أتفهم حظر استضافة الكتاب ومنع تداول كتبهم في المدارس لحداثة سن طلابها، رغم أنه إجراء عقيم في زمن الفضاء المفتوح.. لكن أن يحدث ذلك في الجامعة فما هي مدلولاته!!! أعتقد أنه على الجامعة أن تعوّد طلابنا وطالباتنا على مناقشة تلك الأفكار لا مصادرتها.. وانتقاد الأدب لا الأديب، وأهمية التعرّف على أفكار الأخرين وإخضاعها للمناظرة والتمحيص بدلاً من الأساءة لقطر التي تعيش عصراً فكرياً ذهبياً يتجلى في “كتارا” كنموذج لتلاقح الأفكار وتنوّع المدارس وتعدد المذاهب.. بطرد كاتب بناء على وجهة نظر العسكر!! إنني مندهشة من قدرة البعض على حشد الحشود، كيف أنه لا يستخدم تلك القدرة لحماية قطر من غزو الوافدين بعريهم وعاداتهم السيئة؟! والوقوف في وجه متغيرات المجتمع السلبية بدلاً من الأساءة إليها باستخدام الحملات في غير محلها.. العزاء واجب.. صلواتي للأرواح الطاهرة التي غادرتنا في حريق فيلاجيو سائلة الله عز وجل لها الراحة والسلام.