نعلم بأننا ابتلينا بالواسطة التي تنخر جسد مجتمعنا كمرض عضال له آثاره الخطيرة الواضحة، كتولية البعض مناصب ومراكز حساسة في البلاد، بناء على أي شيء إلا الكفاءة والاستحقاق، مما أدى إلى تفاقم المعضلات في العديد من المؤسسات والهيئات والمجالس العليا.. وهو أمر معلن وليس خافيا على أحد، تتلمسه في وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة. لكنني صدمت حينما علمت بأن المساعدات الإنسانية تخضع لقانون الواسطة أيضاً. فقد طالعتنا صحيفة محلية بخبر عن حالة إنسانية لطفل غير عربي، كما يبدو من اسمه مريض -شفاه الله وعافاه- أقرتها مؤسسة اجتماعية كبيرة لها نجاحاتها، وطرحت الحالة لجمع التبرعات، حيث يبلغ المبلغ المطلوب 562000 دولار أميركي.. يعني بالقطري مليونين واثنين وخمسين ألف ريال. والخبر تضمن تعاطف صندوق الزكاة الذي أرسل تبرعاً سخياً بلغ خمسمائة ألف ريال، وأكد على استعداده للتعامل مع الحالة وفق متغيراتها، بما يتماشى والضوابط الشرعية واللوائح الإدارية المتبعة. ونحن إذ نشد على أيدي الجميع لتبنيهم هذه الحالة الإنسانية، ودعواتنا لا تنقطع لشفاء هذا الطفل الذي خبر الألم باكراً، فإننا نتعجب من حجم الدعم المقدم من صندوق الزكاة، والعجب الأكبر من الاستعداد للتعامل مع الحالة وفقاً لمتغيراتها، كما ورد في كتاب السيد جاسم الكبيسي مدير صندوق الزكاة. فلو وزع هذا المبلغ الكبير على خمس حالات مشابهة لكان أفضل من التعامل مع الحالة، وكأنها الحالة الوحيدة في البلاد!! فعلى حد علمي الصحيح.. فإن هناك حالة طبق الأصل وبنفس المشكلة وبنفس المبلغ المعتمد لعلاج طفل عربي من أسرة تنتمي لقطر بالميلاد لا الجنسية.. بل إنني أعتبر مأساتهم أكبر وأعظم، حيث فقدت تلك الأسرة أربعة أطفال بنفس المرض. ويعيشون الآن عذاب فقد الطفل الخامس تحت مرأى ومسمع من كافة الجمعيات الخيرية التي اعتذرت عن مساعدتهم، رغم وجود التقرير الطبي الذي يؤكد حالة الطفل وحاجته الملحة لزرع النخاع العظمي.. واكتفت تلك الجمعيات بالنزر اليسير الذي لا يغني ولا يسمن من جوع!!! فما المعايير التي رشحت الطفل الأول لتبني حالته وتركت الطفل الثاني للموت، وتركت أسرته تعاني ويلات المرض والفقر وشبح الموت، الذي زارهم أربع مرات، واختطف أربعة أبناء قبله؟؟!! مما يدفعني للتساؤل: هل وصلت الواسطة إلى الجمعيات الخيرية؟؟ ورغم أنني لا أريد تصديق وصولها!!! إلا أنني أعرف الحالة الثانية، وعلى علم تام بظروفها كاملة، ولجوئها إلى الجمعيات الخيرية توسلاً وتذللاً -وغيرها كثير- كما أن خبر الحالة الأولى وكرم الجمعية وصندوق الزكاة منشور في صحيفة مشهود لها بالمصداقية.. فما التفسير إن لم يكن الواسطة؟؟؟ إنني أطرح هذا التساؤل على طاولة العطاء القطري النبيل، متمثلاً في الجمعيات الخيرية وصندوق الزكاة، الذين أرجوهم أن يعتمدوا معايير واضحة وجلية تجعلهم فوق مستوى التساؤلات، كما أتمنى صادقة ألا تلوث الواسطة وغيرها من مظاهر الفساد ذلك العطاء فتفقدنا الثقة فيهم. كما أدعوهم كافة لمراجعة الحالة التي طرحتها لخطورتها ومأساويتها، والعمل على مساواتها بحالة الطفل الأول، فلا يكون العطاء خاضعاً لنظرية الخيار والفقوس المسيطرة على المجتمع، شفى الله جميع مرضى المسلمين. تنويه: كنت سأتناول هذا الأسبوع أصداء المقال السابق الذي حصل على نسبة تفاعل كبيرة تؤكد عمق ظاهرة التحرش في المدارس النموذجية، فأتمنى من كافة المؤسسات المعنية كالعوين، والاستشارات العائلية، وحماية المرأة والطفل، وغيرها سرعة التحرك لاتخاذ الإجراءات اللازمة لمعالجة هذه المعضلة الأخلاقية الخطيرة.