عجباً رأيت

Loading

انطلقت تجربة المدارس المستقلة في قطر منتصف العقد الماضي تقريباً، لتكرس نظاماً تعليمياً جديداً، بغية الارتقاء بالتعليم والمتعلمين، ليواكبوا التطور والتغيير في ساحة العالم، وليكونوا جزءاً منه كمواطنين عالميين لهم نفس الأحلام والتطلعات.. وشركاء في بناء مستقبل الأرض. ومن أجل هذه التجربة تم نسف نظام قائم له محاسنه ومساوئه، ولكنه كان نظاماً مستقراً وله مخرجات رائعة، يكفيك أنك ترى تلك المخرجات في كل مكان ممسكة بزمام البلاد وتسيّر مصالحها. الاستقرار تلك الميزة التي لم تستطع تجربة المدارس المستقلة تحقيقها -رغم مرور سنوات سبع- حتى ولو استبدلت كلمة تجربة بكلمة نظام.. وليس أدل على ما أقول إلا التجريب القائم أبداً.. فأولادنا منذ انطلقت هذه التجربة هم (فئران التجارب) تشبيه قاسٍ أعلم.. ولكنه حقيقي. الأمر الذي دعا الواعين إلى الخروج بأبنائهم من هذا النظام التجريبي إلى مدارس خاصة تتسم بالاستقرار، وتقدم تعليماً نوعياً بمعايير عالية، ولا أخشى عليها إلا من إشراف المجلس الأعلى للتعليم! أحدثكم بهذا بعدما تملكتني الدهشة والعجب مما رأيته في كتاب العلوم للصف الأول الابتدائي، والذي وقع في يدي بالصدفة البحتة، فأنا من الواعين الذين سجلوا أولادهم في مدارس خاصة لينحسر قلقهم ويرتاح بالهم. أعود للكتاب –كما عاد بي هو إلى المربع الأول، وكأنه لم تمر 7 سنوات على الأقل على تجربة المدارس المستقلة– فهالني ما رأيت. أولاً: تنصل لجنة تأليف الكتاب منه –هذا إن وجدت– ولم تطبع أسماء المؤلفين عليه مكتفين بوضع طابع رخيص عليه اسم هيئة التعليم، رغم رفاهية المطابع التي طبعت الكتاب! وكما تعلمون –قرائي الأعزاء– فالحقوق الفكرية التي ينافح عنها بلدنا ملك عزيز على صاحبها، ولا يتركها إلا إذا تبرأ مما صنعته يداه، فلعل هذا التجهيل اعتراف ضمني بأن الكتاب مجرد قص ولزق وتم تجميعه من الإنترنت. وهنا نأتي إلى ثانياً: فمنذ بدأت تلك التجربة ومسؤولو مكتب المعايير ومن قبلهم مديرة هيئة التعليم ينهون عن القص واللزق، ويحثون المعلمين والمعلمات على الإبداع والابتكار، وعدم اللجوء للنسخ من الإنترنت، حفاظاً على حقوق الأجانب الفكرية! فهل أمنت الهيئة على نفسها من مقاضاتها بسبب إصدار كتاب مجهول النسب؟! أم إن المجلس الأعلى للتعليم اعتاد القضايا فلم يعد الأمر مهماً بالنسبة له؟! ولست أعجب إلا من مدير مكتب المعايير كيف عجز عن وضع كتاب في صميم تخصصه؟ ولماذا لم يشكل لجنة تأليف كما يحدث عادة في الأنظمة المستقرة؟ بل كيف سمح ومن قبله مديرة الهيئة بتعميم كتاب –كيفما اتفق– يذكرني بسجل تحضير دروس لمعلمة كسولة لم تحظ بتدريب كافً؟! ثالثاً: مع أن الهيئة استعانت بمطابع ذات مستوى جيد –ولا أدري إذا كان الأمر تم بطرح مناقصة كما يوصون المدارس أم إن الأمر تم بالاتفاق مباشرة معها- تلك المطابع التي وجب عليها الاعتذار عن نسخ كتاب بهذا المستوى الفني المتدني!! فالصور باهتة، وإخراجها تم بطريقة الهواة، والألوان غريبة عجيبة! فمن خلال خبراتي وتقليبي للكتاب أجزم بأن هذا الكتاب لم يمر بعملية طباعة عادلة وإخراج فني يليق بالميزانيات الضخمة المرصودة لتجربة المدارس المستقلة!! رابعاً والأهم: صدر الكتاب باللغة العربية إلا من بعض المصطلحات الإنجليزية، رغم أن تدريس العلوم يجب أن يكون باللغة الإنجليزية، خاصة للصفوف المبكرة إلا أنه في تأكيد ثابت على أن هذا النظام لن يعرف الاستقرار ما دام التنفيذيون أنفسهم يديرونه ليحولوا المبادئ إلى متغيرات، واللازم إلى ممكن، لأنه صادر عن الهيئة، ولو كان صادراًَ عن مدرسة لحولوا صاحب ترخيصها للتحقيق، وربما للنيابة العامة كما يحدث هذه الأيام! بالمناسبة في المدارس كتب أفضل منه وأجدر بالتعميم شرط التخلي عن نظرية «الكوسة» التي تتبناها الهيئة!! يطرح هذا الكتاب والهيئة تحتفل -كعادتها- بمنتدى الممارسات الجيدة في التعليم، فكيف تصنف مديرة الهيئة ومدير مكتب المعايير هذه الممارسة بإصدار وتعميم كتاب مجهول النسب يفتقر لمعايير الكتب المدرسية المتعارف عليها؟؟ فلو كنت مكانهما لاخترت أفضل كتاب على مستوى العالم، وحصلت على إذن بترجمته للعربية –ما دمنا عدنا إليها كلغة تدريس للعلوم والرياضيات- وعممته على المدارس ليكون واحداً من مصادر التعلم بين يدي المعلم والطالب، حتى لا نعود للكتاب المدرسي الموحد. وأعتقد أن ذلك ما سيحدث في ظل العودة القهقرية إلى حيث النظام المنسوف –أقصد المأسوف عليه- والتي نتلمس آثارها في الوجوه التي تبوأت المكاتب، وصارت تشارك في قيادة التعليم إلى أين.. لا ندري؟!! ما نعرفه حق المعرفة أنها تكرس لعدم استقرار التجربة التي ما فتئ أولياء الأمور يدفعون ثمنها من أعصابهم وأحلامهم وأموالهم، حينما يضطرون للنجاة بأولادهم من تخبطات الهيئة وبعض كبير من مدارسها! ويضربون كفاً بكف عندما يرون مبادئ التجربة تنهار، وكأن السنوات التي مرت هي سنوات عجاف لم يحسن القائمون عليها الاستثمار الجيد للمعطيات والمقدرات الكريمة التي أسبغتها القيادة الحكيمة على التعليم من ميزانية فاقت كثيراً من دول العالم، ودعم غير مسبوق رغم ارتفاع سقف الشكاوى.