تحتفل قطر هذا العام بيومها الوطني تحت شعار (تسمو بروح الأوفياء)، وهو شعار يتسق مع ما دعا إليه حضرة صاحب السمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير البلاد المفدى في خطابه للدورة الأربعين لأعمال مجلس الشورى، حيث أكد -حماه الله- على العديد من قيم العمل الأصيلة التي نادى بها الإسلام، وحذر سموه من مغبة استمرار البعض في غيهم واستمرائهم التهاون وتكاسلهم. فسمو قطر ورفعتها واستمرار رقيها واعتلاؤها المراكز المتقدمة في أكثر من محفل يتوقف على دور القطريين الأوفياء الذين يقدمون مصلحتها على مصالحهم الخاصة، ويعملون بكد واجتهاد من أجل رفعتها وسموها دونما انتظار لزيادة رواتب أو إجازات في غير محلها. أكتب هذا المقال وأنا أطالع ما نشرته صحيفة محلية لمجموعة من الكسالى تطالب بأن تكون إجازة اليوم الوطني يومين بدلا من يوم واحد! رغم أن اليوم الوطني هذا العام يحل بعد إجازة نهاية الأسبوع وهي يومين، بمعنى أن الإجازة ستكون ثلاثة أيام! والغريب هو العذر الذي ساقوه لهذا الطلب وهو عدم تمكنهم من متابعة فعاليات الاحتفال باليوم الوطني.. سبحان الله! وهل تتوقف تلك الفعاليات في الفترة المسائية حتى يتغيبون عن العمل نهارا من أجل متابعتها؟ إن بعض النماذج من القطريين والقطريات أعطت انطباعا سيئا عنا يشير إلى أننا قوم لا نعمل، بل نتخذ العمل سبيلا للراتب الذي يفتح أمامنا مجالا واسعا للرفاهة والاستهلاكية. هذه النماذج دوامها متقطع وعطاؤها منعدم ووجودها يسيء إلى بيئة عمل يحاول المسؤول أن يجعلها مثالا للإنتاج والإبداع والابتكار. وقد واجهت شخصيا هذه النماذج خلال سنوات عملي الطويلة التي كانت تعمل -للأسف- في بيئة حاضنة هي التعليم الذي يعتبر رافدا من روافد تربية الإنسان على قيم العمل والإنتاج. كما عايشت نماذجا مشرفة تتخذ من العمل سبيلا لإثبات وجودها وتحقيق طموحاتها في إعلاء ورفعة وطنها، بيد أنها تجد من مسؤوليها ظلما وتثبطا وتحبيطا، فيستمر البعض في صراع وينسحب الآخر بحثا عن بيئة أفضل تشجع إخلاصه وإبداعه وحرصه على الإنجاز. حسنا فعل سمو الأمير المفدى بهذا التوجيه حيث وضع أصبعه على موضع مشكلة كتبنا وتحدثنا عنها مطولا، بل وهوجمنا أيضا ممن يحسبون أن القطري كائن سامٍ لا يجوز انتقاده.. نقر معك يا صاحب السمو المفدى أن هناك فئة نرجو أن تندثر لأنها تحمل أسوء ما يمكن أن يكون من سمات الاتكالية والتهاون والتكاسل، وتسبب مشاكلات لا تنتهي في بيئات العمل المجتهدة، ونرجو أن تضرب على يدها حتى تنتبه أنه لم يعد لها مكان بين الأوفياء المنجزين والمبدعين المبتكرين. وذلك لن يتحقق بعدالة إلا بوضع تقارير أداء عالية الجودة دقيقة القياس بحيث لا توزع التقديرات بالعدد كما يحدث مع البقشة والمخلاة وتذكارات اليوم الوطني، فقد وجهت الموارد البشرية بالمؤسسات والوزارات بتوزيع التقديرات بأعداد محددة سلفا تاركين لبعض المديرين الذين لا يخافون الله فرصة التلاعب بمستقبل الجادين لحساب الأقارب والأحباب العاملين تحت إدارتهم. وقد حدث ذلك وسيحدث، بل وسيستمر في الحدوث إن لم يقيم المديرون أنفسهم، بل حتى الوزراء ليتحقق الإتقان الذي نحلم به، ونتأكد أن العاملين في الدولة هم الأوفياء الحريصون على سموها ورفعتها. نريد تقاريرا صادقة وواقعية يصوغها الأوفياء لقطر لأنهم يقدمون مصلحتها على المصالح الخاصة وعلى روابط القرابة والصداقة، بعد انتشار الواسطة بشكل مخيف. نريد نتائج حقيقية لتلك التقارير حتى تبنى عليها إجراءات ضرورية قد تصل إلى الكي…. ولم لا؟ فإنهاء الخدمة والفصل إجراء طبيعي ومتوقع في بيئة العمل، ونتيجة عادلة لموظف يعتمد على جنسيته فلا يعمل ولا يتطور ولا ينتج ويثير المشاعر السلبية ويصدر صورا سيئة عن القطريين. إن أسطورة -القطري لا تنهى خدماته- يجب أن يعاد النظر فيها وتحدد بإطار زمني محدد لينصلح حال ذلك القطري الذي ينشر التهاون والتكاسل كالعدوى أينما حل. شريطة وجود مدير قطري عادل وفيّ لقطر يصدر تقاريره بناء على المصلحة العامة. وحتى لا نصل إلى هذه النتيجة المأساوية وهي الفصل والطرد وإنهاء الخدمات، يجب على الأسر التي تربي أطفالها على الاعتماد الكلي على الخدم وعلى من يقوم بعملهم نيابة عنهم فينشؤون اتكاليين غير منتجين، يجب عليها أن تعي أنها بذلك تجني على مستقبل قطر، وأنها ليست من الأوفياء الذين ستسمو بهم قطر ويستمر سموها وعزها إلى الأبد بإذن الله. لأنني أجد المدارس عاجزة عن مواجهة آباء من هذه النوعية، يشكون المدير أو المديرة لأنهم أشركوا أولادهم في مشاريع تقوم على الخدمة الذاتية!! بل إنني صادفت شخصيا أمهات يرفضن حمل بناتهن للحقيبة المدرسية ويرسلون الخادمة معهن لهذا الغرض! وكانت تلك نقطة خلاف معهن.. إن مستقبل قطر مرتبط باعتبار أخلاق العمل والإنتاج والإتقان جزءا من قيمنا الإسلامية. ويفترض أننا لا نحتاج إلى من يرشدنا إليها لو قامت الأسر والمدارس وأجهزة الإعلام بدورها الحقيقي في غرس هذه القيم ودعمها. ختاما.. كل عام وقطر أسمى وأبهى.